المغرب

أمام تشدد فرنسا.. تبون يلوح بورقة التهدئة ويقر ضمنيا بالواقع الجديد

في خطوة مفاجئة وذات دلالات قوية، خرج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون برسالة تصالحية موجّهة أساسًا إلى فرنسا، في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين أعمق أزمة دبلوماسية منذ الاستقلال عام 1962.

خلال مقابلة بثها التلفزيون الجزائري الرسمي مساء السبت 22 مارس 2025، وجمعت تبون بثلاثة صحفيين محسوبين على الإعلام العمومي، ظهر الرئيس الجزائري في وضع “استجداء سياسي”، ساعيًا إلى تهدئة التوتر مع الإليزيه عبر تمجيد العلاقات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وصفه بـ”نظيره الحقيقي” و”الجهة الوحيدة” التي يعترف بها كطرف لحل الأزمة.

ملف بوعلام صنصال: بادرة حسن نية محتملة؟

الرسائل المبطنة في خطاب تبون جاءت بعد أيام قليلة من انطلاق محاكمة الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، التي أثارت رد فعل مباشر من ماكرون، حيث وصف التهم الموجهة لصنصال بـ”غير الجادة”.

وقد فتح هذا الخطاب الباب أمام احتمال العفو عن بوعلام صنصال قريبًا، في خطوة يُراد منها طمأنة باريس، وفتح نافذة لإنهاء التوتر المتصاعد منذ سحب الجزائر لسفيرها عقب إعلان فرنسا دعمها الصريح لمغربية الصحراء.

التحوّل في خطاب تبون بشأن الصحراء المغربية

الأكثر لفتًا في خطاب تبون هو انقلابه في الموقف من قضية الصحراء، حيث حاول التقليل من أهمية الموقف الفرنسي، زاعمًا أنه “لا يزعج الجزائر، بل يزعج الأمم المتحدة”، ومشيرًا إلى أن “فرنسا لطالما وقفت مع المغرب، حتى قبل استقلال الجزائر”، متسائلاً بدهشة عن سبب إثارة هذه المسألة.

هذا التصريح يحمل إقرارًا ضمنيًا بأن الجزائر لم تعد قادرة على مواجهة الإجماع الدولي المتزايد حول مغربية الصحراء، خصوصًا بعد أن اتخذت باريس، حليفة الجزائر السابقة، موقفًا واضحًا في هذا الملف، لتنضم بذلك إلى دول كبرى مثل الولايات المتحدة وإسبانيا.

تحولات قادمة في العلاقات الثنائية؟

تحليل تصريحات تبون يكشف عن ثلاثة مؤشرات قوية لما هو قادم:

1. إمكانية الإفراج عن بوعلام صنصال خلال الأشهر المقبلة، في محاولة لإنهاء الجدل الحقوقي المرتبط باعتقاله.

2. استعداد الجزائر لاستعادة بعض مواطنيها المقيمين بطريقة غير قانونية في فرنسا، خصوصًا أولئك الخاضعين لأوامر الطرد (OQTF).

3. عودة السفير الجزائري إلى باريس، في خطوة رمزية لإنهاء الأزمة الدبلوماسية وإعادة قنوات التواصل الرسمية.

الجيش وراء التحول؟

اللافت أن هذا الانعطاف الحاد في خطاب تبون يُفسَّر داخليًا بوجود ضغوط من المؤسسة العسكرية التي تسعى إلى طي صفحة الأزمة مع فرنسا قبل تفاقمها، خاصة مع تصاعد العزلة الإقليمية للجزائر، وتنامي قوة المحور المغربي-الغربي.

يبدو أن تبون، بعد شهور من التصعيد، والتهجم على فرنسا، والتورط في سجن مفكرين ومعارضين، وجد نفسه مضطرًا لتغيير نبرته، تحت ضغط التحولات الإقليمية والدولية. لكنه في الوقت نفسه يحاول الخروج من الأزمة دون خسارة ماء الوجه، عبر خطاب مزدوج: تسويق “السيادة” داخليًا، ومهادنة الإليزيه خارجيًا.

لقد تغيّر ميزان القوى، والمغرب بات لاعبًا رئيسيًا في معادلات باريس.. وتبون، بخطابه الأخير، يعترف بذلك وإن بعبارات مموّهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا