الدكتور أحمد درداري
إن أخطر عملية اعتداء طبقا للقانون الدولي هي انتزاع جزء من أراضي دولة المغرب وتبرير
العملية بوجود فكر انفصالي، بحثا عن شرعية المساس بسيادة الدولة المغربية على ترابها، مما يثير
أهداف االستعمار الذي لم يخرج في األصل عن دولتي فرنسا وإسبانيا من جهة، وكان من المفروض أن
تكون المؤامرة فرنسية إسبانية في إلحاق الضرر بالمغرب.
لكن بالعودة الى السياق الدولي وحجم الحشد العالمي إلنجاح التآمر على المغرب يبين أن الظلم
سياسة دولية مفبركة، ولها من اإلمكانيات ما ال يتصوره العاقل وال يقبله إال األحمق، فمنطق العالقات
الدولية ال يفرق بين المصالح واألضرار ويبقيهما مجتمعين. فإذا كان الغرب قد انطلق من الثورات
االجتماعية والسياسية، وعمل على تحقيق التقدم باستخدام كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية في مواجهة بقية دول المعمور، بل وذهب يبحث عن نشر الثروات خارج أوربا، لذا فإن المستوى الذي وصلت إليه الدول الغربية قام على ظلم الدول المستضعفة طبقا لمنطق الهيمنة ولقانون الغاب الذي لا يؤمن به إال من تكبر واستصغر بقية الشعوب واألمم ولجأ إلى العنف والعنصرية واالضطهاد لتحقيق ما يصبو إليه دون مساءلة ودون خوف وال خجل.
وبالعودة الى السياق الدولي لنزاع الصحراء المغربية، فإن الوضع الذي عرفه العالم في ظل
صراع القطبين شرعن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، حيث إن أوربا الغربية كانت تخشى من انقالب
أنظمتها السياسية إلى أنظمة اشتراكية، وكانت فكرة تصدير المشاريع الثورية نحو الدول الضعيفة خيارا
مناسبا للتخفيف من ضغط الثورات والتهديدات المتبادلة بين الواليات المتحدة واالتحاد السوفياتي التي
أفرزت الحربين العالميين األولى والثانية في القرن العشرين، وتبعتهما فترة الحرب الباردة التي جاء في
ظلها انقسام الدول بين دول موالية للواليات المتحدة االمريكية ودول موالية لالتحاد السوفياتي ومجموعة
دول أخرى سميت دول عدم االنحياز.
هذا ولكون فرنسا استعمرت جزءا من المغرب الشرقي في القرن التاسع عشر ضمته إلى الجزء
الذي أطلقت عليه اسم الجزائر بعدما استعصى عليها إيجاد اسم مناسب لهذه المنطقة، وباعتبار دولة
المغرب كانت موجودة منذ األدارسة الى اليوم، وأن فرنسا لما اقتطعت أجزاء مهمة من أراضيه من جهة
الشرق والجنوب الشرقي وأبقتهما تحت سيطرتها وبعدها ضمتهما إلى الجزائر. وفي القرن العشرين
احتلت فرسا وسط المغرب وإسبانيا احتلت الجزء الشمالي والجزء الجنوبي، ومنذ حصول المغرب على
االستقالل لم يكن هناك أي مشروع انفصالي، ودخل نظام العسكر الجزائري في صراع مع المغرب بدعم
فرنسي إليقاف فكرة مواصلته الضغط على فرنسا السترجاع أراضيه المقتطعة، وكانت حرب الرمال
1963 مؤشرا على نجاح فرنسا في بناء العداء بين المغرب والجزائر وإبعاد المغرب عن حقه في
استرجاع صحرائه الشرقية وبقية المناطق، ومع تنامي الصراع الذي تغذى من الحرب البارد، تم زرع مشروع دولة وهمية إلبعاد المغرب خارج المطالبة بحقوقه طبقا للشرعية الدولية، فتم إدخال النزاع إلى اللجنة الرابعة لألمم المتحدة في الخاصة بتصفية االستعمار، فبدأ التهافت على األرض باسم الشرعية الدولية وتقرير المصير واعتماد االحتكام إلى الفيتو الذي تتمتع به خمس دول من بينها فرنسا، وإلى العالقات الخارجية للدول ولعبة المصالح والتمويل المغرض وشراء المواقف، الشيء الذي دفع الجزائر إلى االنتقام من المغرب بتكليف فرنسي ودعم بعض الدول الديكتاتورية وذات األنظمة الشمولية والميول الإشتراكية.
ورغم أن إسبانيا أعادت الأقاليم الصحراوية إلى المغرب أخرها سنة 1975 ،إال أنها استمرت في
تبني مواقفها الغامضة، ولكن بعدما اعترفت بمغربية الصحراء وبجدية الحكم الذاتي انكشف جزء مهم
من عملية التآمر، وبقيت فرنسا في الجزء اآلخر، متشبثة بعدم االفصاح صراحة عن موقفها من مغربية
الصحراء والحل السياسي الذي يبدو أنه يحرجها في الجزء المتبقي والمتعلق بالصحراء الشرقية، وأن
ذلك يبدو ليس في صالحها خصوصا بعدما أربكها اعتراف امريكا بسيادة المغرب على صحرائه، وأيدتها
األغلبية الساحقة للدول في الجمعية العامة لألمم المتحدة حسب آخر تصويت ب 141 دولة مقابل خمس
دول معارضة.
وبالعودة إلى عملية احصاء الالجئين في مخيمات تندوف وتفكيك هويات ساكني المخيمات كما
هو متوفر عند إسبانيا، يبين حجم التآمر وتعقيد المعادلة التي ركبها المجتمع الدولي ضد المغرب في
الربع األخير من القرن العشرين، حيث أثبتت اإلحصائيات اإلسبانية أن عدد سكان المخيمات اإلجمالي
هو 87000 نسمة فقط.
والأغرب هو أن المغاربة الصحراويين االنفصاليين المنحدرين من األقاليم الجنوبية للمغرب عددهم فقط 1937 الجئ، بينما العدد المتبقي من الالجئين هم من جنسيات دول مختلفة، ومنهم لاجئون دون جنسية كما يلي:
المنحدرون من دولة مالي 23490 شخص الجئ.
المنحدرون من دولة كوبا عددهم 12180 شخص الجئ.
المنحدرون من دولة الجزائر 19140 شخص متحكم في التنظيم.
المنحدرون من شمال دولة تشاد ودولة السودان 9570 شخص الجئ.
وبالنسبة للاجئين للذين ليس لهم جنسية فعددهم 20683 شخص الجئ مما يتطلب إجراء تحليل
البصمة الوراثية لتحديد هوياتهم.
وتبدو لعبة التآمر واضحة من خالل هويات الالجئين المشاركين في مشروع دولة الوهم وأيضا
أسماء دول جمعتها المصالح، وتوافقت على دعم المرتزقة االنفصاليين، وهناك استغالل للمهاجرين
والغرباء باستدراجهم ضمن مشروع دولة الوهم، حيث تم استدراج الغرباء واللقطاء من مناطق مختلفة
علما أن هؤالء لهم دولهم. فهل هؤالء الغرباء انفصلوا عن أوطانهم وفكروا في سرقة أراضي شعب
ودولة إليجاد كيان وهمي متعدد الجنسيات مع سبق اإلصرار والترصد خرقا لقاعدة: (ما بني على باطل
فهو باطل).
إن العالم كله بات يعرف طبيعة التآمر بمن؟ ومتى؟ وأين؟ وكيف؟ ولماذا؟ والبهتان الذي ألصق
بالمغرب، وذلك بسبب توجهاته السياسية الليبرالية، وأيضا بسبب صراعه التاريخي مع دول أوربية
إضافة الى ردعه الدولة العثمانية من جهة، بسبب التوجهات السياسية الدولية المتصارعة التي فرضت
على الدول االصطفاف يمينا أو يسارا منذ 1844 و 1860 ،ذلك أن هاتين المعركتين (إيسلي) و (تطوان)
تزامنتا مع صدور البيان الشيوعي وانتشار الثورات وبداية التوسع السياسي للدول التي قادتها الى
خارج أوربا، واستمر الصراع بإشعال حربين عالميتين، وبعدهما جاءت فترة الحرب الباردة، فكان من
الطبيعي تغيير خريطة العالم وإعادة النظر في قوة الدول التي تركز على المعطى الجغرافي كمحدد لقياس
قوة دولة عضو في األمم المتحدة من جهة أخرى، فكان المغرب من بين الدول التي تتوفر على جغرافية
بمساحة مهمة خصوصا ما تتوفر عليه من ثروات تحدد القدرة التنافسية االقتصادية .
واليوم أصبح لزاما على المجتمع الدولي رفع اللبس عن النزاع وإعادة األرض إلى المغرب،
وتفكيك وضعية الالجئين ورفع طلب إلى هيئة األمم المتحدة ومجلس األمن يقضي بإعادة الالجئين إلى
أوطانهم األصلية وتطبيق قانون اللجوء على بقية الالجئين دون هوية .
كما يجب تطبيق القانون الدولي اإلنساني على الوضعية المزرية في مخيمات تندوف والضغط
على الجزائر لالمتثال لقرارات مجلس االمن، ومعالجة التدهور الذي تعيشه ساكنة المخيمات، وتفكيك
التدخالت العسكرية ونزع السالح من يد التنظيم االنفصالي االرهابي المتعدد الجنسيات تحت رعاية النظام
العسكري الجزائري وبدعم فرنسي، خصوصا بعدما أبانت اإلحصائيات التي تتوفر عليها إسبانيا أن األمر
يتعلق بعملية غادرة متعددة الجنسيات والدول ليس إلا.