أسئلة مشروعة حول معايير منح الجوائز للجمعيات المغربية بالخارج… وملف يضع وزارة التواصل أمام اختبار الشفافية

أثار قرار منح الجائزة الأولى لفئة جمعيات ومنظمات المغاربة المقيمين بالخارج، والبالغة قيمتها 80 ألف درهم، لجمعية لم يتجاوز تأسيسها سنة ونصف، موجة من التساؤلات داخل الأوساط الجمعوية والثقافية، خصوصاً وأن جمعيات أخرى تشتغل في نفس الميدان منذ سنوات طويلة دون أن تحظى بأي التفاتة أو دعم مماثل. هذا القرار، رغم أن خلفيته تبدو في ظاهرها تشجيع المبادرات المواطنة، فتح الباب أمام نقاش حاد يتعلق أساساً بمعايير الاستحقاق والاختيار، ومدى شفافية المساطر المعتمدة داخل الوزارة الوصية.
فالمشهد الجمعوي للمغاربة بالخارج يعرف تعددية وتنوعاً كبيرين، وهناك مؤسسات وجمعيات اشتغلت عقداً أو أكثر في نشر الثقافة المغربية، وربط الأجيال الجديدة بهويتهم، وتقديم خدمات تربوية وفنية واجتماعية، وكل ذلك بجهود ذاتية غالباً، وفي ظروف ليست سهلة. وهذه الجمعيات نفسها، التي تمتلك سجلاً واضحاً وحضوراً متواصلاً، لم تنل أي دعم أو جائزة، فيما تحصل جمعية حديثة العهد – رسمياً تأسست بتاريخ 30 مارس 2024 – على الجائزة الكبرى في صنف مهم وحساس.
هذا الوضع يطرح سؤالاً مشروعاً: ما هي المعايير التي اعتمدت عليها الوزارة لتقييم الجمعيات؟
هل تم الاعتماد على حصيلة البرامج؟ على الأثر المجتمعي؟ على عدد المستفيدين؟ على الشفافية المالية؟ أم على معايير أخرى غير معلنة؟
غياب توضيح رسمي دقيق يفتح المجال للتأويلات، ويجعل الجالية المغربية بالخارج تطالب بإجابات واضحة، ليس تشكيكاً في الجمعية الفائزة، بل دفاعاً عن مبدأ تكافؤ الفرص وحمايةً لمصداقية المؤسسات العمومية.
إن منح الجوائز ليس مجرد إجراء بروتوكولي أو مبادرة رمزية، بل هو إشارة سياسية وثقافية وقيمية. فحين تُكافأ جمعية ناشئة بشكل سريع دون تقديم معطيات واضحة، يصبح السؤال ضروريًا: هل حققت هذه الجمعية، خلال سنة واحدة، ما لم تستطع عشرات الجمعيات تحقيقه خلال سنوات؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإن الرأي العام يحتاج إلى معرفة هذا النموذج الاستثنائي للاستفادة من تجربته. أما إذا كانت المعايير غير معروفة أو غير متوازنة، فإن الأمر يستوجب مراجعة حقيقية للمساطر حتى لا يفقد الفعل العمومي مصداقيته.
الوزارات والهيئات العمومية ليست مطالبة فقط باتخاذ القرارات، بل بتفسيرها أيضاً. وهذا ما يجعل سؤال اليوم موجهاً بشكل مباشر إلى الوزارة المعنية: ما هي أسس الاختيار؟ ولماذا لم تُفتح هذه العملية على لجنة مستقلة تضم خبراء في العمل الثقافي والجمعوي؟
فالعمل الجمعوي للمغاربة بالخارج رصيد وطني مهم، ولا يمكن التعاطي معه بمنطق ظرفي أو بمعايير غير واضحة، لأن ذلك قد يخلق شعوراً بالإقصاء ويفتح الباب أمام صراعات مجانية لا تخدم أحداً.
في النهاية، يبقى مطلب الفاعلين الجمعويين بسيطاً وواضحاً: الشفافية ثم الشفافية. إذا كانت هناك معايير موضوعية، يجب نشرها. إذا كانت هناك ملفات قوية، يجب عرضها. وإذا كانت هناك أسماء استحقت الجائزة بجدارة، يجب الدفاع عنها بالأرقام والإنجازات. فالدعم العمومي حق، لكنه أيضاً مسؤولية، ولا بد أن يصاحبه وضوح كامل يحفظ الثقة بين الدولة والجالية، ويُعيد الاعتبار لمن يشتغلون بصمت منذ سنوات دون أن يحظوا بأي اعتراف.




