أزمة متصاعدة بين فرنسا والجزائر.. وإمكانية انهيار محتمل للنظام العسكري

يرى الخبير العسكري عبد الرحمن مكاوي أن الأزمة الحالية بين فرنسا والجزائر مرشحة لمزيد من التصعيد، في ظل قناعة الرأي العام الفرنسي بعدم موثوقية الجزائر كشريك، بسبب طبيعة نظامها العسكري. وفي حوار له مع أسبوعية “الأيام”، تناول مكاوي الخلفيات التاريخية للأزمة، وخصوصًا تلك المرتبطة بالفترة الاستعمارية وما بعدها، في انتظار رفع السرية عن الأرشيف الفرنسي الخاص بهذه المرحلة.
ويؤكد مكاوي أن أكثر ما تخشاه فرنسا والدول الأوروبية ليس سلوك النظام الجزائري فقط، بل أيضًا احتمال انهياره، وما قد ينتج عنه من موجات هجرة جماعية نحو أوروبا. ولفت إلى أن باريس بدأت بالفعل في تحيين قواعد بيانات كل الجزائريين المقيمين فوق أراضيها.
وعن العلاقة التاريخية بين البلدين، أوضح الخبير أن الجذور تعود إلى الاستعمار الفرنسي للجزائر، مشيرًا إلى أن اليسار الفرنسي كان يدافع عن الاستعمار تحت غطاء “نشر الحضارة”، في حين كانت اليمين أكثر تحفظًا تجاه هذا الاحتلال.
بعد الاستقلال، تم التوصل إلى اتفاقيات “إيفيان”، التي – بحسب مكاوي – تضمنت بنودًا سرية لم يتم الكشف عنها بعد، من بينها تعيين الجنرال دوغول لهواري بومدين قائدًا للمنطقة الخامسة ثم رئيسًا للأركان، بل ووقوفه خلف انقلاب 1965 ضد الحكومة المؤقتة.
ويصف مكاوي العلاقات الجزائرية الفرنسية بـ”المتأرجحة”: خطاب عدائي في العلن، وتنسيق سري في الكواليس. ويشير إلى أن الجزائر، منذ تأسيسها ككيان جغرافي على حساب جيرانها، تم توجيهها لتكون عنصر زعزعة استقرار إقليمي، خاصة تجاه المغرب.
ويستعرض الخبير ما يسميه بـ”عقيدة بوسوف”، التي ترى أن المجال الأمني للجزائر يمتد من دكار إلى القاهرة، وكل تغيير في هذه الرقعة يجب أن يمر عبر الجزائر. ويضيف أن النظام الجزائري يستخدم خطاب الإرهاب داخليًا لتصفية معارضيه، وخارجياً لخلق أعداء وهميين مثل المغرب وفرنسا وحتى إسرائيل، رغم وجود علاقات سرية قديمة بين الجزائر وتل أبيب.
ويرى مكاوي أن الجزائر لا تملك الجرأة للدخول في حرب مباشرة مع المغرب، رغم تصعيدها الكلامي، وأن صراعها مع باريس لا علاقة له بالمغرب أو وحدته الترابية، بل هو انعكاس لفشلها الداخلي ومحاولة لتحويل الأنظار.
ويشير إلى أن فرنسا، التي كانت تسعى لإقناع الجزائر بالتحول الاقتصادي، اصطدمت بنظام غير راغب في التغيير، ولا يملك أي رؤية مستقبلية. كما أن اتفاقيات 1962 و1968 و1974 و1994 ما زالت تقيد باريس، وتمنح امتيازات للجالية الجزائرية، التي يستغل النظام بعض أفرادها للتجسس والتخريب داخل الأراضي الفرنسية.
وقد جاءت قضية الكاتب بوعلام صنصال، الذي أكد أن جزءًا كبيرًا من غرب الجزائر تاريخيًا مغربي، لتصب الزيت على نار الأزمة. فالنظام، وفق مكاوي، يرسل شبابًا عاطلين إلى فرنسا لإثارة الشغب، كما أسّس ميليشيات في الضواحي الفرنسية لزرع الفوضى.
وتشير البيانات إلى وجود نحو 40 ألف جزائري في مراكز الاحتجاز الفرنسية، يرفض النظام استقبالهم. كما تُحمّل السلطات الفرنسية الشباب الجزائري مسؤولية 60% من الجرائم السنوية.
فرنسا، من جانبها، بدأت في اعتماد سياسة “الخنق التدريجي” للنظام، وشرعت في إغلاق بعض القنصليات الجزائرية جنوب البلاد، والإبقاء على تلك التي تُستخدم كغطاء استخباراتي. في المقابل، تعمل وزارة الداخلية الفرنسية على تحديث قاعدة بيانات تخص الاستثمارات والعلاقات الجزائرية في البلاد، في إشارة إلى احتمال اتخاذ إجراءات صارمة في المرحلة المقبلة.