أزمة العقار في المغرب.. غلاء الأسعار وتآكل المساحات الخضراء

يشكل قطاع العقار في المغرب إحدى القضايا الشائكة التي تؤرق المواطن، سواء تعلق الأمر بالشراء أو بالكراء. فرغم المبادرات المحدودة التي أطلقتها الدولة، لا يزال الوضع معقدا في ظل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.
قبل الخوض في الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بهذا القطاع، لا بد من الإشارة إلى الخطر البيئي الذي ينجم عن التوسع العمراني غير المضبوط، حيث تتعرض آلاف الهكتارات من الغابات والوديان والمساحات الخضراء إلى الإبادة تحت عجلات الحفارات، في غياب أي رادع أو رقابة حقيقية من الجهات المختصة. انتهاك بيئي صارخ، لا يراعي التوازن الإيكولوجي ولا آثار التغير المناخي، مقابل أرباح مالية ضخمة تجنيها الشركات العقارية.
وتثار تساؤلات حقيقية حول طريقة تدبير هذا القطاع من طرف المسؤولين، ومدى صرامة القوانين المؤطرة للتوسع العمراني. كما تطرح علامات استفهام كبرى حول الأثمنة الزهيدة التي تشتري بها بعض الشركات أراضي شاسعة، سواء من الدولة أو من المواطنين، لتقوم لاحقا بإعادة بيعها بأسعار خيالية.
مشكلة العقار لا تقتصر فقط على ضعف العرض أو كثافة الطلب، بل تتجلى أيضا في الهوة السحيقة بين الأسعار المعروضة والقدرة الشرائية للمواطن. فثمن الشقة في المدن الكبرى يبدأ من 30 مليون سنتيم، وقد يتجاوز 150 مليونا، ما يدفع العديد من المواطنين إلى اللجوء إلى القروض البنكية، والدخول في دوامة الاقتطاعات الشهرية التي قد تستمر لربع قرن، لتتضاعف التكلفة النهائية بسبب الفوائد البنكية.
الدولة أطلقت في السنوات الأخيرة عددا من البرامج الهادفة إلى تشجيع السكن الاقتصادي، ووفرت تسهيلات ضريبية ودعما مباشرا للمقاولات العقارية. غير أن هذه المبادرات لم تنعكس إيجابا على المواطن، بسبب جشع بعض الشركات، التي تبيع شققا بتكلفة لا تتجاوز 10 ملايين سنتيم، بأسعار تفوق 25 مليون سنتيم، دون أي مراقبة أو تدخل لحماية المستهلك.
وتزداد خطورة الأزمة مع تمدد البناء العشوائي، وغياب العدالة المجالية، وتركز الاستثمارات العقارية في مدن محددة دون غيرها، ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب بشكل غير متوازن، ويزيد من تعميق الفوارق الاجتماعية.
أزمة العقار في المغرب لم تعد مسألة ظرفية، بل باتت تهدد الاستقرار الاجتماعي، وتستدعي تدخلا عاجلا يعيد التوازن بين العرض والطلب، ويضمن الولوج العادل إلى السكن، في إطار رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.