أمينة اوسعيد
يجتمعن كل صباح في ساحة باب المقام قبل أن تنسج الشمس خيوطها الأولى، نساء من مختلف الفئات العمرية، فتيات في رعيان الشباب يتسلقن سلم الحياة بصعوبة بعدما أحكم الفقر قبضته على أحلامهن وعجائز رسمت الظروف الاجتماعية فوق ظهورهن تذكارا قاسيا لا ينسى. تختفي وجوههن خلف لثام من قماش فلا يبدو منهن سوى تلك النظرات المنكسرة اللاهثة خلف لقمة العيش. ها قد وصلت سيارة من نوع “طويوطا” ترجل منها شاب غيرت الشمس لونه الأصلي. وقف أمام مجموعة من النساء يختار الأقوى منهن بنية جسمانية والأصغرهن سنا طبعا حتى تكون المردودية في المستوى المطلوب. من هنا تنطلق رحلة العذاب…
يتكدسن كقطيع ماشية في غياب تام لشروط السلامة. تلتصق أجسادهن ببعضها وتمسك أيديهن بجنبات السيارة كأنهن يتمسكن بالحياة حتى لا يكن شهيدات لقمة العيش كسابقتهن. قد لا يكون هدا هو الجزء الأصعب خلال هده الرحلة مقارنة مع ما ينتظرهن في الحقول…فبعد وصولهن إلى الضيعة يجدن في استقبلاهن “الكبران” الذي يسند المهام لكل منهن وفق معايير يحددها هو حسب مزاجه تارة أو حسب نظراته الزائغة في كثير من الأحيان.. تختلف الوضعية التي تكون عليها أجسادهن حسب نوعية المحصول الذي سوف يتكلفن بجنيه…أغلبهن يفضلن جني ثمار الأشجار فهي أسهل وأسلم لكن عندما يتعلق الأمر بأي زراعة تحتاج منهن الانكفاء على وجوههن فإنهن يكن عرضة للتحرش اللفظي والجسدي.. فكرامتهن تغتصب وأجسادهن تستباح وتلتهم من طرف بعض أشباه الرجال الذين سولت لهم أنفسهم استغلال هذه الشريحة من المجتمع التي رمى بيها الفقر الى فوهة الاحتياج مقابل مبلغ زهيد يتراوح بين 60 درهم أو 70 درهم لليوم. مبلغ لا يكفي لتلبية كل طلباتهن خصوصا بعد ارتفاع أسعار الكثير من المواد الغدائية الأساسية..
خلف كل وجه ملثم من وجوههن تسكن قصة حزينة وتنسج حكاية أليمة عن أطفال تُركوا نيام في البيت ينتظرون عودتهن كل مساء.. أو زوج عاطل يقتات على عرق جبينهن…أو أم مريضة تحتاج إلى علبة دواء … نساء مكافحات اخترن طريق الحلال الصعب لتغطية نفقات عائلتهن. ينتزعن لقمة العيش من بين صدغي الحياة القاسية ومهما سال مداد قلمي في هدا المقال فلن أوفي هؤلاء النسوة حقهن…
