يعيش الانسان في جماعات، وهذا يكفل له فرص بقاء أفضل عن طريق تواصله مع أقرانه وبني جنسه وذلك لإنتاج سلوك عام للجماعة. وتتجلى قدرته على التواصل في تمكنه من نقل خبراته لغيره من أفراد الجماعة، فينتج عن ذلك تراكم للخبرات على مدى الأجيال المتعاقبة، وتنشأ ما تسمى بالثقافة البشرية،أي كل ما يتعلق بالإنسان من أول لقاء مع العالم الخارجي من طريقة الأكل وطريقة السير بلوغا للفنون والآداب والعلوم….
يفترض كل تواصل باعتباره نقلا وإعلاما، مرسلا ورسالة ومستقبلا وشفرة(سنن) يتفق في تسنينها كل من المرسل والمرسل اليه (المستمع) وسياقا مرجعيا ومقصدية الرسالة.
لقد كان التواصل في المجالين السياسي والنقابي سابقا يتم بالطرق المتعارف عليها،مؤطر بقانون الحريات العامة والقوانين الأساسية والداخلية للمؤسسات المعنية إضافة إلى بضوابط وأعراف الممارسة السياسية والنقابية. وتكون أركان التواصل بذلك من جنس واحد ؛ بمعنى أننا أمام فضاء منظم ذاتيا وقانونيا وأخلاقيا، يكون الهم هو صلة الوصل بين الحاضرين الذين يشتركون فيه ويتشاركونه في الحدود الدنيا، ويكون الرهان على تطوير الذات وتقوية المؤسسات انطلاقا من عملية التواصل والحوار ذاته غاية له. وهو ما يعطي لأركان التواصل السابقة إمكانية تحقيق مهامها وتحقيق الغاية منه.
ومع ظهور بعد آخر من أبعاد التواصل،المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي، انخرط الفاعل السياسي والنقابي بدوره في هذه القناة من التواصل وأصبح يعرض أفكاره ووجهة نظره بخصوص إما قضايا مطروحة للنقاش أو قضايا تسائله ذاتيا ويريد من خلال ذلك تقاسمها مع الآخرين لتوسيع دائرة النقاش. وقد فتحت هذه القناة فرصا أكبر لجعل المجالين السياسي والنقابي ومن خلالهما للثقافة أن تأخذ مركز التداول العام والنقاش العمومي، والذي يعد صورة صحية لمجتمع يتلمس طريق الانتقال الديمقراطي في وضع إقليمي ودولي يتميز بالتوتر والصراع الذي وصل حد الاقتتال والحرب. لكننا بدأنا نلاحظ أن بعض أركانه بدأت تفقد دورها ووظيفتها نتيجة الهجوم والتهجم على هذا الفاعل إما عن قصد أو بغيره.
غير أن المرسل إليه، في هذه الحالة، لم يعد ذلك المستقبل الذي عهدناه سابقا. ذلك الذي يعنى بموضوع النقاش أو ذلك المتتبع للشأن أو ذلك الخبير أو الأكاديمي الذي يعي قيمة الموضوع ودرجة راهنيته والمطلوب منه في عملية تأطيره في علاقته بطبيعة السياق المحلي الذي أنتجه. إذاك تصبح سنن التواصل مختلة وغير متوازنة، لأن مواقع التواصل الاجتماعي تضم حضورا غير متجانس و التمايز قد يكون على صعيد المستوى الدراسي والأكاديمي ودرجة إلمامهم بالمواضيع المثارة للنقاش والتداول…الخ، وقد يكون المتلقي إما نقابيا صرفا أو سياسيا صرفا أو غير مدرك للحدود الفاصلة بين السياسي والنقابي أو لا من هذا الجنس أو ذاك؛ مما يجعل التواصل يفقد في حالات عدة غاياته ورهاناته. وهذا ما يتمظهر في الهجوم على الفاعل السياسي أو النقابي بشكل يطرح العديد من الأسئلة ويوجب على الأكاديميين وذوي الاختصاص والمهتمين بالسوسيولوجيا و السيكولوجيا وحتى الأنثروبولوجيا السعي للقيام دراسات حول الظاهرة.
إن الهجوم المتكرر على الفاعل السياسي والنقابي، ومن مختلف المشارب والتوجهات، دفعه إلى الإحجام في العديد من الحالات عن التواصل وإبداء رأيه . وهو بذلك يضع شرطا يضاف إلى عوائق التواصل المعروفة. هجوم يسائل العنوان المبتذل للمجتمع المغربي “المجتمع الحداثي الديمقراطي” الذي لا تتوانى مختلف المؤسسات والمسؤولين باختلاف درجاتهم ومهامهم من ترديده . إن عدم تقبل الآراء والمواقف والانتقادات التي تتخطى حدود الاحترام واللياقة يدفعنا إلى الإقرار أن المجتمع المغربي، مجتمع في مرحلة ما قبل-حداثية، ويتطلب الأمر العمل ومضاعفة العمل كل بحسب مسؤوليته وموقعه لتجاوز العوائق التي تبخس العمل السياسي والعمل النقابي وتداعياته على المجال الإعلامي والبقية تأتي .