
مرة أخرى يجد المغاربة أنفسهم أمام مأساة مؤلمة خلفتها فاجعة انهيار بناية بمدينة فاس، والتي أودت بحياة 22 شخصًا بريئًا، في حادث يُظهر بوضوح حجم الخروقات في قطاع البناء. البناية، التي كان من المفترض أن تلتزم برخصة بناء محددة بطابقين فقط، ارتفعت في الواقع إلى أربعة طوابق، في خرق صارخ للقانون، دون أن يتحرك أحد من الجهات المسؤولة لمنع هذه الانتهاكات قبل وقوع الكارثة.
هذا الحادث يطرح أسئلة جوهرية حول منظومة المراقبة في المغرب، وعن المسؤوليات المتداخلة للسلطات المحلية وقسم التعمير، وصولًا إلى المقدم والشيخ ورجال السلطة، الذين يشكلون الحلقة الأولى في شبكة الرقابة على مشاريع البناء. كيف أمكن لبناية أن تتخطى الرخصة وتضيف طوابق إضافية دون أن تتم رصدها أو توقيفها؟ ولماذا لم تتدخل السلطات قبل أن تتحوّل المخالفة إلى مأساة تُزهق فيها أرواح الناس؟
إن فشل التدخل المبكر يشير إلى خلل في تتبع مشاريع البناء ومراقبتها، وهشاشة واضحة في تطبيق القوانين والمعايير الهندسية. فالأمر لا يتعلق فقط بمخالفة تقنية، بل بعجز نظام المراقبة عن القيام بمهامه، ما يخلق بيئة خصبة للاستغلال والمخاطر. شهادات ميدانية تشير إلى أن فاس ليست حالة معزولة، فبعض المناطق مثل جماعة أولاد الطيب، عين الشقف، بنسودة، وعوينات الحجاج، تشهد بناءات غير مرخصة، إضافة طوابق دون تراخيص، أو استخدام مواد بناء رديئة وكميات إسمنت وحديد أقل من المعايير المطلوبة، تحت ضغط جشع مقاولين وغياب رقابة صارمة.
هذه الاختلالات تجعل حياة السكان معلّقة بخيط رفيع، حيث أي خطأ صغير أو تجاوز يمكن أن يتحول إلى فاجعة. وما يزيد الطين بلة هو الانتقائية في تطبيق القانون، إذ يشعر المواطن الذي يحترم المعايير بالغبن عندما يرى آخرين يتم التساهل معهم حتى يقع الكارثة.
إن ما حدث في فاس يجب أن يكون جرس إنذار للدولة والسلطات المحلية والمهنيين على حد سواء، لمراجعة منظومة المراقبة، وتشديد متابعة مشاريع البناء، وضمان تطبيق القانون بشكل صارم على الجميع دون استثناء. يجب مساءلة كل من يستهتر بحياة المواطنين أو يتواطأ في خروقات البناء، فالأرواح التي فقدت لن تعود، لكن اليقظة الصارمة والتطبيق العادل للقانون يمكن أن تمنع تكرار مثل هذه الكوارث.
فاجعة فاس تؤكد مرة أخرى أن حماية حياة المواطنين ليست مجرد مسؤولية قانونية، بل واجب أخلاقي ووطني يفرض اليقظة، والصرامة، والمحاسبة الشاملة لكل المتورطين




