العالم

بين الاتهامات والتهديدات.. أزمة هوية النظام الجزائري

بين الاتهامات والتهديدات : في تصريح أثار الكثير من الجدل، قال وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، هوبرت فيدرين، خلال مقابلة على قناة LCI الفرنسية في 13 يناير الماضي، إن “الهوية الجزائرية يمكن تلخيصها في أمرين: اتهام فرنسا وتهديد المغرب”. هذا التصريح، رغم بساطته، يعكس بوضوح الاستراتيجية التي يتبعها النظام الجزائري، والتي تقوم على استغلال الماضي كذريعة لإخفاء عجزه عن بناء المستقبل.

وهم القوة وسراب المستقبل
يعيش الجزائريون بين خطابين متناقضين: الأول هو خطاب الترويج لقوة الجزائر كإحدى “أكبر القوى الاقتصادية في العالم” وفقًا لما يروج له الرئيس عبد المجيد تبون، الذي لا يتردد في تقديم أرقام وتصريحات لا تمت للواقع بصلة، مثل حديثه عن “6 ملايين شهيد” – أي أكثر من عدد سكان الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي!

الخطاب الثاني، وهو الأكثر واقعية، يعكس الوجه الحقيقي للوضع في الجزائر: اقتصاد هش، هجرة جماعية للشباب، قمع للحريات، وتدهور غير مسبوق للبنية التحتية والخدمات الأساسية. وبين هذين الخطابين، يقف المواطن الجزائري في حالة من الضياع، حيث لا يجد أي إجابة واضحة عن مستقبل بلاده.

القمع بديلاً عن الحقائق
في الجزائر، من يجرؤ على التشكيك في هذه “الحقائق الرسمية” يجد نفسه خلف القضبان. الكاتب بوعلام صنصال، الذي يعاني من المرض والشيخوخة، يقبع في السجن منذ نوفمبر الماضي، فقط لأنه تجرأ على قول حقيقة تاريخية معروفة: “فرنسا، منذ احتلالها للجزائر عام 1830، قامت بضم أجزاء من الشرق المغربي إلى المستعمرة الفرنسية”. هذه حقيقة لا ينكرها أي مؤرخ محايد، لكنها تعتبر جريمة لا تُغتفر في قاموس النظام الجزائري، الذي يقدم تاريخًا مزيفًا للأجيال القادمة، ويستخدمه كأداة لتبرير فشله الحالي.

“اتهام فرنسا وتهديد المغرب”.. هل هذه هوية؟
حين يقول هوبرت فيدرين إن “هوية الجزائر أصبحت محصورة بين اتهام فرنسا وتهديد المغرب”، فهو يشير إلى حالة الإفلاس السياسي التي يعاني منها النظام الجزائري، الذي لم يجد لنفسه مكانًا بين الأمم سوى في لعب دور الضحية تجاه باريس، ودور العدو تجاه الرباط.

في وقت تستثمر فيه دول العالم في التكنولوجيا والتعليم والصناعة، يستثمر النظام الجزائري في الخطابات العدائية والتصعيد الإعلامي، محاولًا تغذية الشعور القومي بمعارك وهمية. لكن، كما هو واضح، لم يعد لهذه الأساليب التأثير نفسه على الجيل الجديد من الجزائريين، الذين أصبحوا أكثر وعيًا بأن قضيتهم الحقيقية ليست في “العدو الخارجي”، وإنما في “النظام الداخلي” الذي صادر حقوقهم وأحلامهم.

الجزائر تستحق أكثر من ذلك
الشعب الجزائري شعب عريق، له تاريخ نضالي حقيقي يستحق أن يُروى بشرف وصدق، وليس من خلال تزوير الحقائق وتضخيم الأرقام. كما أن الجزائر، كبلد غني بالموارد الطبيعية والبشرية، تستحق أن تكون في مقدمة الدول الإفريقية اقتصاديًا وتنمويًا، بدلًا من أن تُختزل هويتها في نزاعات مفتعلة مع فرنسا والمغرب.

في النهاية، الدول العظمى لا تُبنى بالشعارات والخطابات الجوفاء، بل بالإصلاحات الحقيقية والإرادة السياسية الجادة. فهل يدرك النظام الجزائري ذلك قبل فوات الأوان؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا