سلامة سائقي الدراجات النارية تحت المجهر.. حملة “سيف موتو – كون غير” تنطلق من مراكش لمواجهة النزيف الدموي

لا تزال حرب الطرق في المغرب تحصد ضحاياها بشكل مقلق، خاصة في صفوف سائقي الدراجات النارية، الذين مثلوا لوحدهم 42.1% من مجموع الوفيات المسجلة خلال سنة 2024، أي ما يعادل 1.532 حالة وفاة. أرقام صادمة تعكس هشاشة مزمنة تتفاقم بفعل تزايد عدد الدراجات بعد اعتماد إجبارية الترقيم منذ 2015.
الضحايا الأكثر تضررًا هم الشباب بين 15 و29 سنة، ما يبرز خطورة الوضع وسط فئة عمرية يُفترض أنها في أوج نشاطها. وتتعدد الأسباب: ضعف التكوين في السياقة، غياب التجهيزات الوقائية، الجهل بقانون السير، إضافة إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل تعديل الدراجات وعدم احترام إشارات المرور.
في هذا السياق، اختيرت مدينة مراكش لتكون منصة تجريبية لحملة توعوية شاملة أطلقتها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا) تحت شعار “سيف موتو – كون غير”. الحملة تقوم على ثلاثة محاور متكاملة: التواصل الميداني، التوعية الرقمية، وتعزيز المراقبة الأمنية.
توعية ميدانية تستهدف السائقين في يومياتهم
شوارع مراكش تحولت إلى مسرح لحملة توعوية غير تقليدية: رسائل تحذيرية على العربات التقليدية مثل الكوتشي، ملصقات فوق سيارات الأجرة، كبسولات مصورة على شبكات التواصل الاجتماعي، تجسيد لحوادث في حاويات معدلة، وجولات لسفراء من سائقي الدراجات المجهزين بمعدات الوقاية.
كما شهدت محطات الوقود أنشطة تفاعلية مباشرة مع السائقين: مسابقات، نشرات توعوية، وجوائز رمزية أهمها دراجة نارية.
تفاعل رقمي لتعميق الأثر
المكون الرقمي للحملة اعتمد على ندوات رقمية، اختبارات تفاعلية ومسابقات على الإنترنت، إضافة إلى مجموعة تواصلية على فيسبوك لتبادل التجارب والتنبيه للممارسات الخطيرة. الهدف لم يكن فقط إيصال المعلومات، بل إشراك الفئة المستهدفة في تغيير السلوك.
مراقبة أمنية صارمة لمحاصرة الفوضى
بدعم من المديرية العامة للأمن الوطني، تم تعزيز المراقبة على مستعملي الدراجات النارية: التحقق من ارتداء الخوذة وتثبيتها، مراقبة صلاحية المركبة، وضبط التعديلات غير القانونية كإزالة المصابيح أو فك المحددات. وتم اعتماد أجهزة جديدة لقياس السرعة للكشف عن التلاعب التقني.
تحفيز السائقين على التجهيزات الوقائية
إلى جانب الردع، رافق الحملة برنامج دعم لتوزيع 50 ألف خوذة مطابقة للمعايير على الصعيد الوطني، منها 900 خوذة وزعت في مراكش بالشراكة مع جمعيات محلية، مع توفير دعم جزئي لاقتناء الخوذات النظامية.
نحو تعميم النموذج
تندرج هذه الحملة ضمن المخطط الوطني للمراقبة الطرقية 2022-2024، الذي يولي أهمية خاصة لفئات مستعملي الطريق الأكثر هشاشة. ومن المرتقب أن يتم تقييم نتائج حملة “سيف موتو – كون غير” خلال الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة، قبل اتخاذ قرار تعميمها على مدن مغربية أخرى.
حملة مراكش ليست مجرد تجربة، بل رهان على نموذج جديد للتغيير السلوكي، يدمج التربية والرقابة والتحفيز، من أجل تقليص هذا النزيف المستمر على الطرقات المغربية.