المستشفى العمومي بين التهميش وصعود نفوذ المصحات الخاصة

لم يعد المستشفى العمومي في المغرب فضاء للعلاج والطمأنينة كما كان يفترض أن يكون، بل تحول في نظر فئة واسعة من المواطنين إلى كابوس يثير الخوف والرهبة. مشاهد المرضى الذين يُرفض استقبالهم، وأخبار من فقدوا حياتهم عند أبواب المستشفيات، تكشف عن أزمة عميقة لا يمكن اختزالها في قلة الموارد فقط، بل في سياسة ممنهجة تُفرغ القطاع العام من قيمته.
في السنوات الأخيرة، برزت المصحات الخاصة كملاذ وحيد أمام المواطن الباحث عن علاج لائق، لكن بثمن باهظ يرهق الأسر ويجبرها أحيانا على بيع ممتلكاتها أو الاستدانة. هذا الواقع غذّته ممارسات متكررة، منها توجيه المرضى بشكل متعمد من القطاع العمومي إلى المصحات الخاصة، حيث يشتغل عدد من الأطباء الموظفين في كلا القطاعين، في خلط واضح بين الخدمة العمومية والمصلحة الخاصة.
من جهة أخرى، يسيطر على قطاع الصحة لوبيات تتحكم في أسعار الأدوية والخدمات الطبية، ما جعل العلاج في المغرب تجارة مربحة أكثر منه خدمة اجتماعية. وفي ظل هذا الوضع، أضحى المواطن المغربي يشعر بأن الصحة لم تعد حقاً دستورياً يضمنه القانون، بل امتيازا محصورا في من يملك القدرة على الدفع.
النتيجة أن المستشفى العمومي بات عنوانا لمعاناة يومية، فيما المصحات الخاصة تحولت إلى رمز للضغط المالي والاجتماعي. وبين هذا وذاك، يصر المغاربة على رفع صوتهم مطالبين بوقف هذا النزيف وإعادة الاعتبار لقطاع يفترض أن يكون ركيزة أساسية في دولة تراهن على الكرامة والعدالة الاجتماعية.
هذا الوضع لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السياسات العمومية المتبعة منذ سنوات، حيث جرى التعامل مع قطاع الصحة بعقلية التدبير المالي بدل الرؤية الاجتماعية. فميزانية الصحة في المغرب لا تتجاوز في المعدل 6 في المائة من الميزانية العامة، وهي نسبة أقل بكثير من المعدل العالمي الذي يتراوح بين 10 و12 في المائة. كما أن عدد الأطباء لا يتعدى 8 لكل عشرة آلاف مواطن، مقارنة مع أكثر من 30 طبيبا في دول ذات دخل متوسط مشابه.
تراجع الاستثمار العمومي في البنية التحتية الصحية وغياب آليات المراقبة الفعالة سمحا بترسيخ هيمنة القطاع الخاص وتغذية مصالح شبكات تتحكم في الأدوية والخدمات. النتيجة هي اهتزاز ثقة المواطن في المؤسسات، وتنامي الشعور بأن الحق في العلاج أصبح رهينة القدرة الشرائية، وهو ما يمثل خطراً مباشرا على العقد الاجتماعي ويطرح أسئلة كبرى حول أولويات الدولة في حماية حياة مواطنيها.




