عيد الأضحى بين الأمس واليوم بمدينة صفرو

أمينة اوسعيد
يجري العمر وتجري معه اللحظات الجميلة التي عشناها في الصبا. نركض خلف الذكريات محاولين الإمساك بها لكنها تفلت من بين أصابع الذاكرة فترحل بعيدا خلف أسوار الحياة الرتيبة التي أصبحنا نعيشها اليوم بكل تعاسة. بالأمس كنا ننتظر بشغف أن يزورنا عيد الأضحى في مدينة صفرو بباقة سعادة في يده يوزعها على كل بيت يطرق بابه. فتسرع أمهاتنا لتحضير أشهى الحلويات التي مازالت رائحتها عالقة في الذاكرة. وتحرص على طلاء جدران البيت وشراء لباس جديد حتى يكون كل شيء في أبهى حلة عند استقبال هذا الضيف العزيز. كانت عدوى فرحة العيد تنتقل من بيت إلى بيت حتى تعم المدينة كلها.
يلبس الرجال الجلاليب البيضاء في صبيحة العيد للذهاب إلى المصلى حيث تتعالى تكبيرات تقشعر لها الأبدان بينما تحرص الأمهات على إعداد مائدة الإفطار بما لذ وطاب من حلويات ومسمن وبغرير والشاي المنعنع الذي تدغدغ رائحته الطيبة جميع الحواس. ثم يرتدي الأطفال اللباس الجديد الذي استسلم ونام بين أحضانهم من شدة ما أمسكت به أيديهم. وتفتح البيوت قلوبها لاستقبال التهاني والترحيب بالجيران والأهل والأصدقاء بحرارة وصدق. أحاسيس انقلبت اليوم وتحولت إلى نفاق ومشاعر باردة وأداء واجب ليس إلا.
يعود الأباء من المصلى ليبدأوا في ترتيبات الذبح بعد تناول وجبة الفطور. عملية يتعاون عليها الجيران وما هي إلا دقائق معدودة حتى تكون السقيطة معلقة والنار تستعر في المجمر لشي الكبد. كان لكل تفصيل صغير لذته التي لا تنسى. وفي المساء يخرج الجميع إلى ساحة باب المقام والقناطر الخيرية للتنزه، فيما يختار البعض تبادل الزيارات وصلة الرحم مع الأهل والأقرباء.
أما اليوم فطعم العيد في مدينة صفرو يشبه مذاق الماء، لا لذة فيه. كل الأبواب مغلقة والمشاعر مزيفة وحلت الإتصالات الهاتفية محل الزيارات وصلة الرحم. وأصبح عيد الأضحى ضيفا ثقيلا يشكو من قدومه الجميع وترتيباته تقتصر على شراء الحلويات الجاهزة ونحر الأضحية وعندما يرحل يترك وراءه أسرا اضطرت لبيع أثاث بيتها لتتمكن من توفير ثمن خروف هزيل يملأ عيون الأطفال البريئة. وامرأة أقامت زوبعة فوق رأس زوجها لأنه لم يأتيها بخروف سمين مثل الجيران، فأشهر ورقة الطلاق في وجهها فطردها خارج حياته. الكل يحرس سقيطته في البراد فلا يكون للمسكين نصيب منها. غاب التكافل والتضامن بيننا وسادت الأنانية حتى أصبح الكل غرباء في نفس العمارة والحي والمدينة. شيئا فشيئا تختفي معالم عيد الأضحى وتختفي معه كل الذكريات الحلوة التي عشناها ونحن أطفال بين أحضان مدينتنا الغالية صفرو.