المغرب

حكومة «اجتماعية»… بعقود بـ957 درهم وتصريحات بـ2200 درهم

تقول لنا الحكومة، بكل ثقة وابتسامة مصطنعة، إنها حكومة اجتماعية. تقولها في المؤتمرات، في البلاغات، وفي خرجات الوزراء الذين لا يعرفون ثمن الخبز ولا معنى “آخر الشهر”. لكن على أرض الواقع، في الهامش، في شركات المناولة، وفي عقود عاملات النظافة، تتجلى هذه “الاجتماعية” في أبهى صورها: 957 درهم في العقد، و2200 درهم في التصريح لدى الضمان الاجتماعي. أما الأجر الحقيقي؟ فذلك سرٌّ من أسرار الدولة العميقة… أو بالأحرى أسرار النفاق الاجتماعي.

أي حكومة اجتماعية هذه التي تسمح بعقود شغل تُكتب وكأنها نكتة سوداء؟ عاملة نظافة، تشتغل تحت البرد والحر، تُمنح عقدًا محدد المدة بلا سبب، بنهاية غامضة، وأجر لا يكفي حتى لكراء غرفة، ثم يُقال لها بابتسامة باردة: “هذا هو القانون”. أي قانون؟ قانون الغابة أم قانون المناولة؟

الأكثر سخرية، بل وقاحة، أن الشركة نفسها تصرّح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بأجر أعلى مما تمنحه فعليًا. هنا نحن لا نتحدث عن خطأ إداري، بل عن غش اجتماعي مكتمل الأركان. عقد يقول شيئًا، وتصريح يقول شيئًا آخر، والواقع يقول: “اصمتي واعملي”. والحكومة؟ تتفرج… أو بالأحرى تصفق.

حكومة اجتماعية، لكنها تغض الطرف عن أجور أقل من الحد الأدنى، وعن ساعات إضافية “لا يحق رفضها”، وعن بنود تقول للأجيرة صراحة: إذا توقفت الصفقة، توقّف أجرك. كأن الأجيرة شريكة في الصفقة، أو عضو في مجلس إدارة الشركة، أو وزيرة من وزراء هذه الحكومة الاجتماعية جدًا.

يحدثوننا عن الحماية الاجتماعية، وكأنها هبة سماوية نزلت فجأة، بينما في الواقع تُستعمل كقناع جميل لوجه قبيح. ما جدوى التصريح لدى CNSS إذا كان الأجر الحقيقي مهانًا؟ وما معنى “الدولة الاجتماعية” إذا كان العامل يُطالب بالشكر لأنه اشتغل أصلًا؟

هذه ليست حالات معزولة، ولا “تفاحات فاسدة”. هذا نموذج اقتصادي كامل يقوم على المناولة، الهشاشة، الخوف، واستغلال النساء تحديدًا. نموذج ترعاه السياسات العمومية، وتحميه حكومة تدّعي الاجتماعية، بينما تمارس أبشع أشكال اللاعدالة الاجتماعية.

الحكومة الاجتماعية لا تُقاس بعدد الشعارات، بل بعدد العقود المحترمة، والأجور العادلة، والكرامة المحفوظة. أما حكومة تترك عاملة نظافة بين عقد صوري وتصريح كاذب، ثم تخرج لتحدّثنا عن “الإنصاف”، فهي لا تستحق سوى اسم واحد: حكومة اجتماعية… على الورق فقط.

وفي انتظار أن تنزل هذه “الاجتماعية” من المنصات إلى أرض الواقع، ستبقى 957 درهم أقوى من كل الخطب، وستبقى عقود المناولة أصدق من كل البلاغات، وسيبقى السؤال معلقًا:
من يحتاج إلى حكومة لا ترى الفقراء إلا في العناوين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى