العالمالمغرب

تصاعد التحريض ضد المهاجرين المغاربة في إسبانيا.. فبركة، عنف، وصمت رسمي مقلق

تشهد إسبانيا في الآونة الأخيرة تصاعدًا خطيرا في وتيرة التحريض والعنف الموجه ضد المهاجرين، وعلى رأسهم الجالية المغربية، في سياق سياسي مشحون تغذيه حملات من اليمين المتطرف، ووسط صمت رسمي يثير أكثر من علامة استفهام.

ففي واقعة لافتة، تعرض رجل إسباني مسن يدعى “دومينغو” لاعتداء صباح 9 يوليوز الجاري في بلدة “طوري باشيكو”، من طرف ثلاثة شبان، دون أن تسجل أية سرقة أو دافع مادي. ما دفع البعض إلى الافتراض بأن المعتدين ربما فعلوا ذلك بدافع “التسلية أو التصوير”، مرجحين أنهم من أصول مغاربية، فقط بناء على مظهرهم ولهجتهم، في غياب أي تأكيد رسمي.

ولم تمض ساعات حتى انتشر مقطع فيديو آخر، نسب إلى الواقعة نفسها، وانتشر على نطاق واسع، لكن سرعان ما خرجت القناة الرسمية الإسبانية RTVE والشرطة المدنية لتنفي ارتباط الفيديو بالحادث، وأكدت أن الرجل المسن نفسه صرح بأن من يظهر في الفيديو “ليس هو”.

ورغم وضوح التضليل، استغل حزب VOX اليميني المتطرف الحادثة لتأجيج مشاعر الكراهية ضد المهاجرين، متهما “المغاربة” بشكل مباشر، مما أدى إلى اندلاع موجة من التحريض العنصري، تخللتها شعارات عنيفة وأعمال عدائية دفعت السلطات إلى تعزيز الإجراءات الأمنية.

في المقابل، لم تصدر الحكومة الإسبانية أي بيان رسمي يدين التحريض أو يوضح ملابسات الحادثة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول مدى تواطؤ بعض المؤسسات مع الخطاب العنصري، أو على الأقل تغاضيها عنه.

ويأتي هذا التصعيد في ظرف حساس تزامن مع استقبال عناصر من عصابة البوليساريو الانفصالية في إسبانيا، في خطوة اعتبرها مراقبون استفزازا مباشرا للمغرب، وتهديدا للعلاقات الثنائية، خاصة وأن مدريد لا تزال تسوق نفسها كشريك موثوق في ملفات استراتيجية مثل الهجرة ومكافحة الإرهاب.

في خضم هذا المشهد، تبرز مفارقة صارخة: المغرب، الذي يضطلع بدور مركزي في حماية الحدود الأوروبية، يجد نفسه أمام إساءة متكررة من جارته الشمالية، سواء عبر الحملات الإعلامية المعادية أو عبر التغاضي عن استهداف الجالية المغربية. والمفارقة الأشد مرارة، أن المغرب يواصل منْع تدفقات الهجرة غير النظامية من جنوب الصحراء عبر أراضيه نحو أوروبا، ويتحمل كلفة أمنية وإنسانية هائلة نيابة عن القارة العجوز.

وأمام هذه الممارسات العدائية والتحريض الإعلامي المتعمد، يطرح بجدية خيار الرد بالمثل. فبدلا من الاستمرار في لعب دور “الشرطي الحدودي” الذي يحمي أمن إسبانيا من موجات الهجرة الإفريقية، قد يكون من المشروع أن يعيد المغرب النظر في تعاونه مع مدريد، وأن يطلق العنان مؤقتا لتدفق المهاجرين نحو الجنوب الإسباني، ليدرك الأوروبيون فعليا حجم الجهد المغربي في حماية حدودهم.

في ظل هذا التصعيد، لا يكفي التنديد الدبلوماسي أو البيانات الشكلية. بل المطلوب موقف مغربي حازم، يربط بين أمن المواطنين المغاربة في الخارج وبين مواقف الدول التي تستضيفهم. فلا يعقل أن يقابل الصمت الرسمي الإسباني على خطاب الكراهية، بسياسات مغربية مرنة تجاه مدريد.

وعلى ضوء التقارير الإسبانية التي تبدي تخوفا متزايدا من تطور المغرب عسكريا واستراتيجيا، يتعين على الرباط أن تدير أوراقها بحكمة، وأن تذكر من ينسى بأن المغرب لم يعد ذلك البلد الذي يقبل الإملاءات أو يرضى بالدونية في شراكات لا تراعي الندية والمصالح المتبادلة.

ما يجري ليس مجرد “سوء تفاهم”، بل هو نتيجة تراكمات من التواطؤ والتغاضي والتأليب. والمغرب، وهو يبنى ويقوى، لن يسمح أن يكون مهاجروه عرضة للحملات الشعبوية أو التوظيف السياسي الرخيص في بلدان المهجر. فكرامة المواطن المغربي في الخارج، هي امتداد لسيادة الدولة في الداخل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى