فضيحة دولة: كيف تورط النظام الجزائري في اختطاف المعارض أمير دي زاد على الأراضي الفرنسية؟

وليد كبير: ناشط سياسي وإعلامي جزائري
في تطور صادم وغير مسبوق في العلاقات الفرنسية الجزائرية، فجرت التحقيقات القضائية الفرنسية في قضية اختطاف واحتجاز ومحاولة اغتيال المعارض الجزائري الشهير أمير بوخرص، المعروف باسم أمير دي زاد، فضيحة مدوية تُثبت بما لا يدع مجالا للشك تورط أجهزة استخبارات ودبلوماسيين جزائريين في تنفيذ عملية أمنية سرية على التراب الفرنسي، تُشكل خرقا صارخا للسيادة الفرنسية وخرقا للقانون الدولي.
اعترافات خطيرة تكشف المستور
التحقيقات، التي بدأت منذ حادثة الاختطاف بتاريخ 29 أبريل 2024، عرفت تحولا جذريا بعد أن اعترف أحد المتورطين الرئيسيين في الجريمة، ويدعى ميشال. س، بأنه تلقى أوامر مباشرة من عنصر في الاستخبارات الجزائرية لتنفيذ العملية. هذا العنصر هو المساعد الأول سميل. ر، ضابط صف تابع للمديرية العامة للتوثيق والأمن الخارجي (DGDSE)، والذي كان يعمل تحت غطاء دبلوماسي في قنصلية الجزائر بمدينة كريتاي. وقد تم اعتقاله في فرنسا في أبريل الماضي، ما مثل أول خيط حقيقي يكشف الطابع المنظم والمؤسساتي للعملية.
ميشال. س أفاد بأن اللقاء الذي حصل مع سميل. ر جرى داخل مقر القنصلية الجزائرية، وتحديدا في مكتب التأشيرات، حيث كُلف بالمهمة في مطلع عام 2024، ما يُثبت استخدام المقرات الدبلوماسية الجزائرية لأغراض استخباراتية وإجرامية.
دبلوماسيون بدرجة مجرمين
الصدمة الكبرى جاءت بعد أن حددت السلطات القضائية الفرنسية اثنين من كبار الدبلوماسيين الجزائريين كمخططين رئيسيين للعملية:
–صلاح الدين سلوم، السكرتير الأول في السفارة الجزائرية بباريس.
–محمد بوعزيز، نائب القنصل في كريتاي.
وتبين من التحقيقات أن سلوم ليس دبلوماسيا عاديا، بل ضابط استخبارات برتبة مساعد يعمل لحساب DGDSE، أما بوعزيز فيحمل رتبة عقيد ويُعد من كبار مسؤولي الجهاز الاستخباراتي في فرنسا.
بناء على أدلة مادية دامغة — بينها تسجيلات كاميرات مراقبة، وتحليل للاتصالات الهاتفية، وشهادات متعددة، فإن الرجلين لعبا دورا محوريا في التخطيط والإشراف على تنفيذ العملية، في انتهاك صارخ للقوانين الفرنسية وللأعراف الدبلوماسية الدولية.
القضاء الفرنسي يتحرك… والجزائر تتنصل
القضاء الفرنسي، ممثلا في النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب (PNAT)، يستعد خلال أيام لإصدار مذكرتي توقيف دوليتين بحق الدبلوماسيين الجزائريين. كما يجري تتبع سلسلة القيادة التي سمحت بتمويل وتنفيذ هذه العملية الجريئة على التراب الفرنسي.
المشتبه فيه الأكبر الآن هو مدير المخابرات الخارجية الجزائرية الحالي الجنرال فتحي رشدي موساوي، الذي كان يشغل منصب مسؤول الامن بسفارة الجزائر في باريس أثناء وقوع الجريمة. تشير المعطيات إلى أنه أعطى الضوء الأخضر للعملية، وأدار التمويل عبر الصندوق الأسود للسفارة. موساوي، المعروف بقربه من دوائر الرئيس عبد المجيد تبون، حصل على تعيينه في باريس شخصيا بأمر من الرئيس، مما يطرح تساؤلات خطيرة حول مدى معرفة وتورط أعلى هرم السلطة في الجزائر بهذه العملية.
عملية استخباراتية بأوامر رئاسية؟
عدة مصادر أمنية وقضائية فرنسية أكدت أن الهدف من العملية لم يكن مجرد إسكات معارض مزعج، بل ترحيله قسرا إلى الجزائر، وهو ما يتطلب غطاء سياسيا رفيعا. وتُشير أصابع الاتهام إلى الرئيس عبد المجيد تبون نفسه، الذي يُعتقد أنه أعطى التعليمات النهائية “بأي وسيلة كانت” لإعادة أمير دي زاد إلى الجزائر.
وبحسب مصدر أمني رفيع، فإن “العملية تم التخطيط لها على مستوى مؤسساتي عالٍ جدا، يعكس إرادة سياسية واضحة في تصفية الحسابات مع الأصوات الحرة التي تفضح الفساد والاستبداد داخل النظام الجزائرية”.
ما حدث ليس مجرد تجاوز فردي أو خطأ دبلوماسي، بل جريمة دولة مكتملة الأركان، تُمارَس بأساليب المافيا وبتوظيف أدوات الدولة: السفارات، القنصليات، الأموال العامة، وجهاز المخابرات.
النظام الجزائري، الذي يدعي محاربة “المؤامرات الخارجية” والدفاع عن السيادة، لم يتردد في انتهاك سيادة دولة كبرى مثل فرنسا، في مشهد يعيد للأذهان عمليات الاستخبارات السوفييتية خلال الحرب الباردة، أو تصفيات النظام الإيراني لمعارضيه في أوروبا.
إن تورط الدولة الجزائرية في محاولة اغتيال أحد معارضيها في دولة أجنبية، يكشف الوجه الحقيقي لنظام لا يعترف بالقانون، ولا يحترم الحريات، ولا يتردد في اللجوء إلى الجريمة المنظمة لتصفية خصومه.
السلطات الجزائرية في وضع صامت
حتى الآن، تلتزم السلطات الجزائرية الصمت الكامل، بينما تسود الأوساط السياسية في باريس حالة من التردد والانقسام.
فبينما يدفع القضاء الفرنسي باتجاه المحاسبة، تسعى بعض الدوائر السياسية الفرنسية — المرتبطة بعلاقات مع النظام الجزائري — إلى كبح التحقيقات حفاظا على المصالح الاقتصادية والسياسية بين البلدين.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل ستضحي باريس بسيادتها من أجل إرضاء نظام قمعي؟ أم أن العدالة الفرنسية ستمضي حتى النهاية، مهما كلف الثمن؟
قضية أمير دي زاد أصبحت اختبارا حقيقيا للقضاء، ولصدقية المؤسسات الفرنسية، وناقوس خطر بشأن سلوك النظام الجزائري الخارج عن القانون. وما لم تتم محاسبة المتورطين وملاحقتهم أمام العدالة، فإن شبح الدولة البوليسية سيظل يُطارد كل صوت حر، داخل الجزائر وخارجها.