
في خطوة أثارت اهتمام الرأي العام المغربي والفرنسي على حد سواء، أعلنت الجمهورية الفرنسية توشيح الفريق أول محمد بريظ، أحد أبرز الشخصيات العسكرية المغربية، بوسام “فيلق الشرف برتبة قائد”. هذا الحدث ليس مجرد تكريم رسمي لجهود فردية، بل يحمل في طياته أبعاداً سياسية، واستراتيجية، ودبلوماسية تستحق التحليل المعمق.
أول ما يلفت الانتباه في هذا التوشيح هو رمزيته التاريخية. وسام “فيلق الشرف” الفرنسي، الذي يعود تأسيسه إلى عهد نابليون بونابرت، يمثل أرفع وسام مدني وعسكري في فرنسا، وهو يمنح عادة للشخصيات التي أسهمت في تعزيز العلاقات الفرنسية أو قدمت خدمات متميزة على الصعيد العسكري أو المدني. إذن، تكريم شخصية مغربية بهذا الوسام يعكس تقديراً رسمياً من باريس لدور المغرب في مجالات متعددة، منها التعاون الأمني، مكافحة الإرهاب، وتبادل الخبرات العسكرية.
من منظور استراتيجي، يعكس التوشيح تقارب مصالح بين المغرب وفرنسا في قضايا الأمن الإقليمي، خصوصاً في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، حيث يشترك البلدان في مواجهة التهديدات الإرهابية والهجرة غير الشرعية. الفريق أول محمد بريظ، باعتباره أحد القيادات العسكرية المخضرمة، يمثل جسراً للتعاون بين الأجهزة المغربية ونظيراتها الفرنسية، وهو ما قد يسهم في تعزيز التنسيق الاستخباراتي وتبادل المعلومات الحساسة.
على المستوى السياسي، يمكن النظر إلى هذا التوشيح كإشارة ضمنية إلى الثقة المتبادلة بين الرباط وباريس، لكنه أيضاً يحمل بعداً دبلوماسياً محلياً. ففي المغرب، يمثل الجيش مؤسسة مركزية، والاعتراف الدولي بقدرات قياداته يعزز من صورته ويبرهن على دوره الحيوي في استقرار البلاد وحماية مصالحها، داخلياً وخارجياً. كما أن هذا التقدير الفرنسي قد يكون له أثر على المناخ العام للعلاقات الثنائية، سواء في الملفات الأمنية أو الاقتصادية، حيث تظل فرنسا شريكاً استراتيجياً للمغرب.
ومن زاوية أخرى، فإن التوشيح يسلط الضوء على التوازن الدقيق الذي يحافظ عليه المغرب في سياسته الخارجية، بين الحفاظ على استقلالية قراراته الوطنية وبين تعزيز شراكاته الدولية. فالجيش المغربي، بقيادة شخصيات مثل الفريق أول محمد بريظ، يجسد قدرة المغرب على الانخراط في التعاون الدولي دون المساس بسيادته أو بتوجهاته الاستراتيجية.
في الختام، يمكن القول إن توشيح الفريق أول محمد بريظ بوسام “فيلق الشرف برتبة قائد” ليس مجرد حدث عابر، بل هو مؤشر على عمق الروابط المغربية الفرنسية، وعلى الدور الحيوي الذي يلعبه الجيش المغربي في تعزيز الأمن الإقليمي والتوازنات الاستراتيجية. كما يعكس هذا التقدير الفرنسي الاعتراف بالكفاءة والاحترافية التي يتمتع بها الجيش المغربي، ويؤكد مرة أخرى أن المؤسسات العسكرية في المغرب قادرة على لعب دور محوري في الساحة الدولية، بما يتجاوز حدود الوطن ويصل إلى مستوى الشراكات الدولية الاستراتيجية.




