العالم

صفقة الغاز العمانية مع إسبانيا.. ضربة ناعمة لهيمنة الجزائر في سوق الطاقة الأوروبية

بينما كانت الجزائر تراهن على ثروتها من الغاز لفرض حضورها السياسي والاقتصادي على أوروبا، يبدو أن اللعبة بدأت تتغير بهدوء من خارج شمال إفريقيا. سلطنة عمان، البعيدة جغرافيا عن البحر الأبيض المتوسط، وقعت اتفاقا استراتيجيا مع إسبانيا لتزويدها بمليون طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال لمدة عشر سنوات، ابتداء من عام 2030، مع مشروع استثماري مشترك لبناء سفينة متخصصة في نقل الغاز بالتعاون مع شركة “أسياد” للنقل البحري.

في الظاهر، الصفقة مجرد اتفاق تجاري طويل الأمد، لكن في العمق، تمثل تحولاً نوعياً في خريطة الطاقة الأوروبية. فإسبانيا، التي كانت تعتمد بشكل كبير على الغاز الجزائري عبر أنبوب “ميدغاز”، تبحث منذ سنوات عن تنويع مصادرها لتقليل المخاطر السياسية والإمدادية، خصوصا بعد توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب، وما تبعه من إغلاق أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي الذي كان يمر عبر الأراضي المغربية.

الصفقة العمانية لا تعني فقط تأمين مصدر بديل للغاز، بل تحمل بعدا جيوسياسيا أوضح: تعزيز موقع الخليج كمزود موثوق ومستقر للطاقة، في مقابل تراجع ثقة الأوروبيين في الشركاء التقليديين بشمال إفريقيا وروسيا. سلطنة عمان، المعروفة بسياساتها الهادئة وابتعادها عن الصراعات الإقليمية، تقدم نفسها هنا كبديل مثالي في زمن تتشابك فيه الطاقة بالسياسة.

بالنسبة للجزائر، الصفقة تمثل خسارة رمزية قبل أن تكون اقتصادية، إذ تُظهر أن أوربا لم تعد أسيرة للغاز الجزائري، وأن البدائل متاحة من الخليج وشرق المتوسط وحتى إفريقيا جنوب الصحراء. ومع دخول لاعبين جدد في السوق، مثل قطر وسلطنة عمان، يصبح سلاح “الغاز كورقة ضغط” محدود الفاعلية في ظل وفرة الإمدادات وتنوع المسارات.

أما بالنسبة لإسبانيا، فالاتفاق مع عمان يعني تنويعاً حقيقياً في أمنها الطاقي، وفتح الباب أمام شراكات جديدة في مجال النقل البحري والطاقة النظيفة، في وقت تسعى فيه أوروبا لتقليص الاعتماد على الإمدادات غير المستقرة سياسياً.

بهذه الصفقة، يبدو أن “الهدوء العُماني” قد وجّه ضربة ذكية إلى “الغرور الطاقي الجزائري”، مؤكداً أن من يملك الموثوقية والاستقرار، لا من يرفع الصوت، هو من يحكم لعبة الطاقة في أوروبا اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى