المغرب

الجوانب الغامضة في الاعتراف المتبادل بشرعية القانون المنظم للعلاقة بين الدولة والمواطن

يبدون ان القانون ملزم للجميع و لا يرحم لكن هناك من يعيش ضدا في القانون و لا يعترف بوجوده ولا يعترف بوجود الدولة، ومن هؤلاء نجد فئة من الأغنياء، وفي المقابل نجد فئة من العوام و الفقراء، وبينهما يوجد ريع سياسي يستغل الهوة لكي لا يكون للقانون والدولة شرعية كاملة.
وحراك الريف عرى جزء من الريع ومعه المستفيدين من الرافضين للالتزام بالقانون والمقصيين من المواطنين من التنمية، بل هناك من يبني سعادته و وجوده على حساب معاناة المواطنين البسطاء، الذين يتم التلاعب بحقوقهم التنموية .
ان حقوق الإنسان لا تتعارض من تطبيق القانون، وإنما تتكيف معه عبر مسيرة الإصلاح، بالنقاش الأكاديمي والإعلامي والسياسي والثقافي و الديني…، لكن الملاحظ ان عملية التأطير والتكوين تشوبها عيوب كثيرة منها ازدواجية الخطاب عند السياسيين، واستغلال النفاق الاجتماعي، إضافة إلى غياب القدوة ومنهجية توجيه النقد وإعمال المنطق في تقييم الواقع و تقريب وجهات النظر حول متطلبات التغيير بدون خصومة القانون والثقافة والدين، بدلا من الإبقاء عليها خليطا هوياتيا متكاملا، ذلك ان بعض المراهقين يشحنون بافكار مزعجة للسياق العام، مما يجعل من حرية التعبير مبالغ فيها و تؤدي إلى المواجهة مع السلطات في عدة مناسبات، وهذا يفسره الدور الفاسد للمؤثرين والموجهين سواء السياسيين او المعارضين لهم.
ذلك ان اساس المشكل يكمن في القانون، حيث أن عملية صناعة التشريع ليست سهلة بل جد معقدة حيث يتصارع حولها اصحاب المصالح، ويتم افراغ مطالب المواطن من محتواها، وإبعاده من الاستشارة حول حقوقه الاقتصادية والاجتماعية، وبعد إصدار القانون يجد نفسه محاطا بقيود و بإكراهات تدفعه نحو الرفض لنمط حياته، والنظر إلى الحاكمين كأعداء، مما يؤدي إلى رفض الانتماء إلى الوطن، والطعن في مصداقية القائمين على تنفيذ القانون.
ان الأمر لا يعدو ان يكون مجرد تحديد للواجبات المتبادلة بين المواطنين والحاكمين وفق تصوري لعقد اجتماعي مرن وغير متباعد الحدين المتعارضين الفاصلين للنظام السياسي، في مقابل التمتع بالحقوق المستحقة طبقا للقانون وقياسا على نماذج تنموية دولية ناجحة في التربية على المواطنة واحترام الوطن وتقابل المحاسبة. وهذا يبقى مستبعد في ظل وجود مسؤوليات غير مستعدة لتطبيق القانون ومراعاة مبدأ المساواة أمامه، بل ان الاستمرار في التحايل على القانون من طرف الجانبين معا هو اساس استمرار معاناة المواطنين بمستويات مختلفة.
والاذن الذي منحته المندوبية العامة لإدارة السجون لناصر الزفزافي لحضور جنازة والده، يبقى اجراء عاديا ما دام الأمر يتعلق بوفاة أب عزيز على قلب السجين. وفي نفس الوقت ان الإجراء يدخل في صميم أنسنة التعامل مع مطالب السجناء وإبقائهم على صلة بأسرهم ومجتمعهم . لكن بدى مشهد العزاء وكأنه ذكرى للحراك ولوم مستمر لما حدث 2017. والملفت بالمناسبة كلمة ناصر الزفزافي التي قطع من خلالها مع فكرة الانفصال ومعها غلق الباب في وجه المستفيدين من ريع الحراك والانفصال، و استغلال مشاعر الشباب الذين ينتظرون المستقبل وليس دفعهم إلى الفوضى التي تنتهي بالسجن .
وفي هذا السياق، ومن خلال صلاحيات المندوبية العامة لإدارة السجون وأداء واجبها الذي يخوله لها القانون، فان المغرب أمامه فرص كبيرة لإعادة تجديد المغاربة لإيمانهم بوطنهم ودولتهم دون السقوط في التغاضي عن المطالب التي تهدف إلى انهاء مغرب السرعتين.
ومسألة العفو عن السجناء تبقى عملية سهلة وترتبط برغبتهم دون غيرهم، وهي لا تؤذ ملك البلا، وهي ليست ذات أهمية قصوى، بل ان المهم هو القطع مع السلوكات والافعال التي تؤدي إلى السجن، وبالتالي يجب أيضا إنهاء الاسباب التي تقسو معها الحياة.
ان الغباء والشجاعة المفرطة لهما عواقب غير محسوبة بشكل جيد، ويمثلان فرصة ذهبية يستغلها أهل الريع المتعفن، الذين يسيؤون للوطن ويحجبون نبض عقلائه، فلو ان النخب السياسية تتحلى بالجرأة والشجاعة السياسية اللازمتين، وتحافظ على المناخ السياسي والحقوقي لحياة المواطنين لكانت المصلحة الوطنية هي مقياس العدالة والمساواة والحرية ، ولتمت المصالحة التنموية الترابية بكل شفافية و مصداقية و انهاء تزييف الحقيقية التي يشخصها كل من زاويته مع التباين في مستوى ملامستها.
فالريف المغربي كجزء لا يتجزء من الوطن يقتسم نفس المعاناة مع أغلب المناطق، ونفس المطالب الاقتصادية والاجتماعية مع فارق بسيط تعكسه الثقة في الدولة ومؤسساتها ونخبها، كما ان شباب الريف يتميز بالوعي السياسي، حيث يدافع عن حقه المشروع في الكرامة والعدالة التنموية والمجالية.
وما يعاب على ضعاف العقول من الشباب وغيرهم هو الاستهانة بالوطن و رموزه، وحجب الحقائق أو طمس الذاكرة الجماعية على حساب خصوصية جزئية وضعيفة، إننا اليوم أمام مرحلة انتقالية، وتتطلب من الجميع التحلي بالشجاعة لمواجهة تحدياتها والتعاطي بعقلانية و موضوعية ومسؤولية ومسؤولية وأمانة معها.
ومن جهة أخرى فإن مكانة الدولة وهيبة مؤسساتها لا تكرس بسياسة الردع ولا بمظاهر التضييق والتشدد، ولا بأساليب الترهيب والتخويف، وإنما بمدى قيامها بمسؤوليتها واحترامها لروح القانون، وضمانها لحقوق وحريات مواطنيها، وقدرتها على تحويل الأزمات حتى وإن كانت هي سببا في وقوعها إلى فرص لتعزيز اللحمة الوطنية وشحن الهمم وبعث الأمل من جديد. فحين يشعر المواطن أنّ الدولة ومؤسساتها في خدمته ورعايته وحمايته وصائنة لكرامته وحقوقه، فإنه هو من سيدافع عنها و سيبرز أهمية وجودها ويعزز الثقة فيها ويحافظ على استقرارها ويضمن استمرارها.

د.أحمد درداري

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يجب تعميم هذا المقال على النخبة السياسية الحزبية و النخبة السياسية في السلطة و على الشريحة الواعية من العامة، حتى يتحملوا مسؤولياتهم في هذه المرحلة التاريخية أمام اللّٰه و أمام الوطن و أمام الملك. و كذلك النخبة الأكاديمية أمثالكم سيدي التي تحلل و تشخص و ترشد باقي النخب للصواب و الحكمة بكل صدق و صراحة و دون زيف أو مجاملة أو بيع للوهم، و ما هذا المقال الذي كتبتَه إلا ضرب من الدور الذي تضطلعه به النخبة الأكاديمية في النصح و التوجيه و بالتالي في التنمية و الأمن و الاستقرار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى