الدكتور سعيد الحليمي يكتب : "مطالعة في الإطار القانوني لمواجهة كورونا : دراسة مقارنة بين المغرب وإسبانيا(1/2)"
مقدمة
تمر الدول والمجتمعات بفترات رخاء وسخاء وقد تأتي عليها أيام نحسات قد تعصف أحيانا بما أسلفت هذه الدول في أيامها الخالية، فيما تتمكن المتماسكة الأطراف منها من الخروج بأقل الأضرار بل منتصرة في بعض الأحيان والمواقف والمواقيت. جائحة كورونا- التي ألمت بدول ومناطق عدة منذ نهاية العام 2019 م واشتدت وطأتها في الشهور الأولى من 2020 – أظهرت للملأ أن بعض المبادئ الإنسانية من قبل التضامن والتكافل والتواد والتراحم المؤطرة للوعي الديني والمجتمعي، قمينة بنزغ غواشي مناهج الحياة العصرية الرافضة في بعض مكوناتها لهذه المبادئ السامية، فكان التدبير التكافلي لأزمة كوفيد19 ومخلفاتها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية مبعث تفاؤل بوجود تلكم اللحمة الضرورية للعيش المشترك داخل أي مجتمع إنساني. ولعل تغليب الصالح الخاص للمواطنين على الصالح العام للدولة يكون كفيلا بنشأة نمطية جديدة غير تلك المبنية على المنافسة المحتدمة في السياقات الاقتصادية والإنتاجية والتجارية، والتي امتدت بل ونشأت في المدرسة وأعطت أجيالا معطوبة مجتمعيا، ميالة ومسرفة في توخي النجاح الشخصي والفردي والفئوي ولو على حساب فشل المنافس أو إفشاله وما لذلك من مخلفات على المجتمع.
في المغرب كما في إسبانيا، الجارة الشمالية، اتخذت الحكومة مجموع إجراءات وتدابير قعدت للإجتهاد في إيجاد حلول، في إطار رؤية توحيدية وتجميعية للظاهرة المرضية التي ألمت بالبلدين واستفزت الذكاء العام وقدرة المواطن حاكما ومحكوما، على الإبداع وإعطاء نتائج جاهزة وحلول قابلة للتطبيق الفوري، وفق الأدوات والإمكانيات الاجتهادية لكل بلد على حدة. استراتيجية تجميع المخاطر risk pooling مكنت من تحديد ورصد مكامن الخلل ونقاط القوة وبؤر الضعف والهشاشة، في مناجزة علمية عملية تدبيرية واستشرافية للخروج من هذه الأزمة النوعية بأقل الأضرار، بل حتى بتحقيق إنجازات سيشهد لها التاريخ وبها، من قبيل انبعاث المزاج الإبداعي لدى المغاربة من جديد، في إشارة واضحة إلى أن زمن المزاجية الاقصائية والماحية والإلغائية والعدمية قد وعليه أن يولي في مجتمع إنساني يزخر بالطاقات والمواهب.
تأطير العمل الحكومي وتحرك الهيئات المدنية في زمن كورونا وضع الدولتين الجارتين أمام ضرورة الارتكاز على قواعد قانونية واضحة ومؤسسة، وضعت النص الدستوري في سياقه التاريخي والمرحلي، مستعينة في تنزيله بترسانة قانونية في معناها الكلي والتجزيئي، في إطار من التنظير الآني لمجابهة المرض واستشراف فرص مستقبلية بوعي القرن 21 وما بعده.
لوحظ في البلدين والتجربتين الإيبيرية والمغربية تدافع ”صحي” بين مكونات الأجهزة الحكومية والرقابية على خلفية ظهور نصوص ومحاولات تمرير بعض المقتضيات القانونية التي رأى فيها البعض من هنا وهناك، سياسيين، باحثين ومتتبعين، عدم ضرورة بل حيادا عن الوضع والتوجه التشريعي الراهن والمرتهن بمكافحة مخلفات وباء أصاب الاقتصاد العالمي والمسائل الاجتماعية بأعباء ثقيلة وليس بأمور اعتبرت جانبية وغير ذات صلة أو جدوى في واقع الحال.
أضفت هذه الشرطية التاريخية على التجربة والمقاربة المغربية طابع التميز،إذ يعد المغرب أحد البلدان التي تعاملت بالصرامة والنجاعة المطلوبتين مع المرض المستجد في سعيه إلى مواجهة هذا الاختبار الصعب في سياقاته المتعددة، سواء على المستوى الصحي العلاجي والوقائي أو الاقتصادي والاجتماعي والأمني. حيث نجحت السلطات المغربية بفضل في احتواء الازمة بفعالية مرجعية.
من خلال مطالعة النموذجين، بناء على رؤية تحليلية من منطلقين اثنين، تتركز على التأطير القانوني لمختلف التدابير الاستعجالية والضرورية في هذه الظرفية الخاصة، والمرتبط بالسياقات والمجالات المذكورة، كونه يرسم حدود الممكن والغير ممكن إتيانه ويحدد سبل التدخل وضوابط التصرف وتصريف الأزمة بما يتماشى مع الرؤية العمومية للمسألة، في ارتباط بالنصوص القانونية المرجعية.
المنطلق الأول : التدابير العامة والتأطير القانوني
تتحدد التدابير المتخذة أساسا في إعلان حالة طوارئ عامة، صحية هذه المرة، مرتبطة بالمجالات السوسيو-اقتصادية والأمنية على وجه الخصوص، للحد من تداعيات جائحة كورونا العنيفة والتي وضعت قطاعات عدة أمام تحدي الاستمرارية والوجود وأعطت فرص تاريخية لبعثة أنشطة أخرى ونشأة مستأنفة لأخرى ايضا.
I. التجربة المغربية
وإن كانت وزارة الداخلية قد شرعت فعليا في الحد من حرية التجمع درءا لكل المخاطر المحتملة منذ الرابع من مارس 2020 في إشارة إلى إفراد مواجهة كورونا بإجراءات احترازية مبنية على أساس حفظ النظام والصحة والسكينة العامة، فإن المشرع المغربي خصص نصا موجها حصريا لهذه الوضعية الاستثنائية، أسسه دستوريا وأنزل مقتضياته عن طريق مراسيم ومذكرات ودوريات متخصصة وخاصة بقطاعات بعينها أو بواسطة قرارات مشتركة بين قطاعات تجمعها وحدة الموضوع.
إعمالا للإرادة والتعليمات الملكية ذات الصلة، وتطبيقا للقانون التنظيمي عدد رقم 13/130 المتعلق بقانون المالية والمادة 29 من قانون مالية 2020 وكذا المادة 25 من مرسوم إعداد وتنفيذ هذا القانون تم إحداث حساب عمومي خاص تحت مسمى الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا، وذلك بموجب مرسوم عدد 17 -2020 2-20-269 الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 17 مارس 2020، ساهمت في تطعيمه كل أطياف المجتمع المغربي إلى جاني الدولة خاصة الموظفين العموميين أو بالأحرى قطاع واسع منهم، مع بعض الاستثناءات، واستهدف هذا الحساب الخاص تغطية بعض النفقات ذات الطابع الإنساني والاستعجالي والتضامني لفائدة فئة عريضة من العمال وأرباب العمل في القطاع الخاص حفاظا على السلم الاجتماعي وتخفيفا من تداعيات الفيروس القاتل على القطاع الاقتصادي والمعيش اليومي للمواطن البسيط.
تجدر الإشارة إلى أن المرسوم 2.20.269 أشار في سابقة من نوعها إلى أن إحدى أهم موارد الصندوق الخاص تتمثل في مجموع الغرامات المالية التي أصدرتها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات في حق شركة اتصالات المغرب، الفاعل الرئيسي والتاريخي في قطاعه، على إخلالها بقواعد المنافسة الشريفة داخل هذا القطاع، طبقا للقانون 104.12 المتعلق بحرية المنافسة والاستهلاك. مما يشكل مخرجا قانونيا مناسبا لتفعيل الظهير الشريف عدد 1.14.116 القاضي بتنفيذ هذا القانون -الذي ظل معطلا بشكل كبير منذ إعادة إحيائه سنة 2014- وكانت فرصة سانحة لضرب عصفورين بحجر واحد.
المرسوم المؤطر لإنشاء وتدبير هذا الصندوق لم يحل في متنه إلى أي نص من الدستور لكن اطاره القانوني الدستوري يكمن في مقتضيات عدة تتضمنها الوثيقة الدستورية. وبالتالي يمكن الحاق هذا النص بديباجة الدستور التي تحيل على دعامة التضامن كأحد مرتكزات دولة الحق والقانون ,وكذا بالفصلين 20و21 المؤسسين للحق في الحياة والحق في السلامة والحماية الشخصية لكل مواطن وصولا الى الفصل 40 ,الذي يضع على عاتق المواطنين -وبالتضامن – مسؤولية مساعدة البلاد على مجابهة الآفات والكوارث , بشكل يتناسب مع امكانياتهم , كل من جهته ومركزه القانوني والاجتماعي، وبذلك يكون المشرع، من خلال ذات المرسوم، بصدد انشاء قول على قول، على نحو لم يحد عن كنه الدستور، دونما حاجة الى التأسيس على أساسه والاستناد الحرفي على مقتضياته. لكن الامر يطرح اشكالية قانونية متعلقة باحترام هرمية وتسلسل القاعدة القانونية، خاصة حال انفاذها، والحالة هاته.
اما المرسوم 2.20.292 الصادر في 23 مارس 2020 والمتعلق بسن احكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والمرسوم الموالي 2.20.293 الذي من خلاله اعلنت الحكومة رسميا في 24 من نفس الشهر، حالة طوارئ صحية في مجموع التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا، تدارك من خلالهما المشرع المغربي “هفوة” النص الأول , وأحال الى الأساس القانوني الدستوري لهذا الاجراء التنفيدي، خاصة الفصول 20و24 وكذلك الفصل 21 من الإعلان الدستوري لسنة 2011. عند النظر الى النصين معا، يتبين أن جوهر العملية التشريعية تمت مراعاته بشكل دقيق. فيما ارتكزت الحكومة في تعميم قرار الحجر الصحي في كامل التراب الوطني على مضمون الفصل90و مقتضيات الفصل 92 من الدستور المغربي وعلى النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة باختصاصات العامل وعملا بتوجيهات منظمة الصحة العالمية ذات الصلة .
بينما قراءة مضمون المرسوم 2.20.293 تجيز لنا بالقول أن احالته على المرسوم بقانون 2.20.292 – الغير مؤسس دستوريا من حيث واجب الاحالة والبناء عليه – تنتهي الى خلاصتين متباعدتين في المنحى والنتيجة. الاولى تضفي، بالخلف، على المرسوم المحال عليه طابعا دستوريا. فيما تفتح الخلاصة الثانية باب النقاش والنقد الفقهي القانوني بمنطق التراتبية، حيث ان هذا التأسيس على نص اغفل الاحالة الى الدستور – بوجود مقتضيات دستورية واضحة و صريحة – يساهم في تمديد امد ” المس” بضرورة احترام مبدأ الهرمية القانونية.
من جانب اخر، وتطبيقا للمثل القائل : ” لا قانون للحاجة ”، عمدت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي على اعلان واغلاق المؤسسات التعليمية ابتداء من 16 مارس 2020، حفاظا على صحة الطلبة والتلاميذ والأطر التعليمية وكل ال