البحر الميت.. كنز جيولوجي مهدد بالزوال

البحر الميت يختزن في أعماقه أسرارا علمية مذهلة، تتجاوز كونه مجرد بحيرة ملحية شهيرة أو وجهة سياحية لزوار يبحثون عن تجربة الطفو الفريدة. فالبحوث الحديثة كشفت أن قاعه يضم تلالا هائلة من الأملاح، تراكمت على مدى ملايين السنين بفعل دورة طبيعية تجمع بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء، حيث تذوب الأملاح من المياه ثم تعود لتتساقط تدريجيا نحو الأعماق مكوّنة تكوينات جيولوجية ضخمة.
هذه الظاهرة لا تمثل مجرد مشهدا مدهشا، بل تعد سجلا حيا للتغيرات المناخية والجيولوجية التي شهدتها المنطقة عبر العصور. فالبحر الميت، الواقع عند أعمق نقطة على سطح اليابسة، يشكل مختبرا طبيعيا لمراقبة تأثير ارتفاع درجات الحرارة وتراجع منسوب المياه، وهي ظواهر مرتبطة بالنشاط البشري وبالتغير المناخي العالمي. وقد أظهرت الدراسات أن مستوى مياهه ينخفض بمعدل يزيد عن متر سنويا، نتيجة تحويل مياه نهر الأردن والروافد الأخرى، إضافة إلى الاستغلال الصناعي للأملاح والمعادن.
الأهمية البيئية للبحر الميت لا تقل عن أهميته العلمية، إذ يعتبر مؤشرا حساسا لأي تغير في التوازن المائي للمنطقة، ونظامه البيئي الفريد مهدد بالاندثار إذا استمرت وتيرة التراجع الحالية. كما أن فقدانه سيعني ضياع مورد طبيعي نادر، له قيمة بحثية وعلاجية واقتصادية لا يمكن تعويضها.
ولذلك، فإن الاكتشافات الأخيرة ليست مجرد إضافة لكتب التاريخ الجيولوجي، بل جرس إنذار بضرورة التحرك لحماية هذا الكنز الطبيعي. فالمعادلة واضحة: حماية البحر الميت تعني حماية ذاكرة طبيعية عمرها ملايين السنين، وضمان استمرار إرث بيئي وعلمي للبشرية جمعاء.