الاحتجاج بين الوعي والفوضى

بقلم: يوسف المسكين
الاحتجاج فعل حضاري وجزء من تاريخ الشعوب في مواجهة الظلم لكنه يفقد معناه وقيمته عندما يتحول الى فوضى عارمة وبلطجة لا علاقة لها بالحقوق المشروعة. ما يجري اليوم في بعض المدن المغربية لا يمكن وصفه الا باعمال تخريبية تضر بالوطن والمواطن اكثر مما تضغط على الحكومة او تفتح ابواب الاصلاح.
كيف يمكن ان نربط النضال الحقيقي بحرق صيدلية يحتاجها المرضى او اقتحام بنك يشغل مئات الاسر او اضرام النار في السيارات ؟ باي منطق تبنى العدالة على حساب الامن العام؟ واي عقل يبرر التخريب باسم الحرية والكرامة؟ ان هذه التصرفات لا تمت للنضال بصلة بل هي سلوكيات عصابات تبحث عن الفوضى.
لقد عرف المغرب عبر تاريخه محطات احتجاجية كبرى من حركة التلاميذ والطلبة في الستينات والسبعينات الى نضالات المعطلين والنقابيين في العقود الاخيرة. ورغم القمع والاعتقالات والمطاردات ظل النضال انذاك مشبعا بالوعي والانضباط. لم نر مناضلين يعتدون على الممتلكات العامة او يزرعون الرعب بين المواطنين بل كانوا يحمون احتجاجاتهم من كل من تسول له نفسه ان يحولها الى اعمال شغب.
المطالبة بالحقوق ليست جريمة لكن تحويل الشارع الى ساحة حرب صغيرة هو الجريمة بعينها. النضال رؤية مستقبلية يتبنى وعيا ومسؤولية ويضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار. اما النزول الى الشوارع بلا بوصلة بدافع التقليد او التحريض فانه لا ينتج سوى الكوارث التي ندفع جميعا ثمنها.
تجييش الشباب دون تاطير فكري او ثقافي وتحويل الغضب المشروع الى فوضى مدمرة ليس سوى دليل على ازمة عميقة في الثقافة والوعي. فعندما يختفي دور المثقف الحقيقي ويتصدر المشهد مؤثر يعيش على مقاطع الليفات والتيك توك تكون النتيجة شبابا يظنون ان تقليد الافلام او رفع شعارات جوفاء هو نضال. عندما اصبح السياسي يغني مهبول انا وغادي فلتوروت فهاهو يحصد ما غنى بدعوة الحداثة والتفتح.
لقد اصبحنا نعيش لحظة ماساوية حيث يغيب الفكر الجاد وتحضر ثقافة طوطو وماجاورها، بينما يهمش الفكر النقدي والفعل المسؤول. ان الازمة ليست في التعليم والصحة فقط بل في الثقافة والاخلاق والوعي لانها الاساس الذي يبنى عليه اي مشروع حضاري.
النضال مدرسة يتخرج منها احرار يواجهون الفساد بصدور عارية وكلمة صريحة لا باقنعة سوداء وزجاجات حارقة. النضال وعي قبل ان يكون غضبا وفكر قبل ان يكون اندفاعا. ومن اراد ان يخدم الوطن فعليه ان يحمل مشروعا لا ولاعة لاشعال الحرائق.
ان الغضب غير مبرر لهذه الأفعال التي يندى لها الجبين
تكسير المنشئات واحراقها دليل على أن المقصود ليس المطالبة بالحقوق بل التخريب وتدمير المجتمع فأن تحتج بشكل سلمي هو حق كفله الدستور لك سواءا كنت من زيد او اي حرف لكن كونك من لايعطي لك الحق في التدمير وزرع الرعب فمن يطالب بالمصلحة العامة لايدمر ويفسد المصلحة العامة .




