
شهدت مدينة فاس ليلة امس موجة احتجاجية لافتة شارك فيها عدد كبير من الشبان، من بينهم طلبة جامعة ظهر المهراز، حيث خرجوا الى الشارع للتعبير عن مطالبهم في اجواء اتسمت بالهدوء والانضباط. هذه التحركات، التي جرت في قلب المدينة، عكست صورة مغايرة لما يرتبط عادة بالمظاهرات من توتر او احتكاك، اذ اختار المحتجون هذه المرة اسلوبا حضاريا في التعبير، قابله تعامل امني اتسم بالحياد والمراقبة من مسافة آمنة.
اللافت في هذا المشهد ليس فقط الطابع السلمي للمسيرة، بل ايضا ما تحمله من دلالات اوسع، اذ يمكن اعتبارها مؤشرا على تحول في وعي الجيل الشاب تجاه مفهوم الاحتجاج كأداة للتعبير المسؤول عن المطالب. فلم يعد الخروج الى الشارع يترجم بالضرورة الى مواجهة، بل الى ممارسة مدنية تبحث عن الاصغاء والاعتراف.
من زاوية اخرى، يبرز هذا الحراك مدى حساسية التوازن بين حرية التعبير وضمان النظام العام. فنجاح احتجاجات فاس في المرور دون حوادث يبعث برسالة مزدوجة: الاولى موجهة للسلطات، تؤكد ان المقاربة الامنية الهادئة قد تكون اكثر نجاعة من المواجهة المباشرة، والثانية موجهة للمجتمع، لتقول ان الشباب قادرون على الدفاع عن قضاياهم في اطار من الانضباط والمسؤولية.
ان ما وقع امس قد لا يكون مجرد حدث عابر، بل ربما يشكل بداية لمسار جديد في علاقة الشارع بالسلطة، ومساحة اختبار لكيفية تدبير الاختلاف بوسائل سلمية. فاذا ما تكررت مثل هذه المبادرات، قد يساهم ذلك في ترسيخ ثقافة احتجاجية ايجابية تجعل من الشارع فضاء للتواصل لا ساحة للصراع.