
وليد كبير
في خطوة غير مسبوقة تحمل دلالات سياسية عميقة، أعلنت السلطات السورية، يوم الثلاثاء 27 ماي 2025، عن الإغلاق الرسمي للمكتب الذي كانت تشغله جبهة “البوليساريو” في العاصمة دمشق، وذلك بحضور بعثة تقنية مغربية مكلفة بالتحضير لإعادة فتح سفارة المملكة المغربية في سورية.
القرار السوري لم يكن إجراءً إداريا عابرا، بل تجسيد واضح لتحول نوعي في موقف دولة كانت لسنوات تُحسب على ما يُعرف بمحور”الممانعة” الذي طالما وفر غطاءً سياسيا وإعلاميا للانفصاليين بدفع مباشر من الجزائر.
ان إقدام سورية على إغلاق المكتب بحضور رسمي مغربي يُعد اعترافا عمليا لا لبس فيه بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتجسيدا لاحترام وحدة أراضيه، ورفضا صريحا لأي كيان انفصالي لا يتمتع بشرعية قانونية أو اعتراف دولي واسع. هذه الخطوة تضع حدا لما كان يُروج له إعلاميا من دعم رمزي عربي لأطروحة الانفصال.
لطالما راهنت البوليساريو وداعميها القلة على انتزاع “اعترافات رمزية” من دول بعينها، بهدف خلق وهم بوجود دعم عربي واسع لقضيتهم. وكان وجود مكتب لهم في دمشق يُستخدم كورقة رمزية لإضفاء مصداقية على المشروع الانفصالي. اليوم، تسقط هذه الورقة رسميا، وتخسر البوليساريو آخر موطئ قدم لها في الفضاء العربي.
لأعوام طويلة، كانت سورية تُحسب ضمن الدول “الصديقة” لجبهة البوليساريو، من منطلق اصطفافها مع الجزائر في بعض الملفات. لكن هذا الإجراء الميداني الصارم يؤكد أن الدولة السورية لم تعد راغبة في لعب دور في دعم أي مشروع يهدد وحدة دول أخرى، خاصة بعد تجربة مريرة مع الانقسام الداخلي.
الخطوة السورية تُرسل رسالة مباشرة إلى النظام الجزائري مفادها أن رهانه على خلق دعم عربي للكيان الانفصالي قد فشل، وأن الدول العربية، حتى تلك التي كانت تُحسب على مواقفه، بدأت تُعيد ترتيب أولوياتها بعيدا عن الحسابات الإيديولوجية القديمة. كما تؤكد أن “البوليساريو” تعيش عزلة غير مسبوقة في العالم العربي، حيث لم يتبق لها أي مكتب تمثيلي معترف به في العواصم العربية.
اختارت دمشق اليوم أن تتحرك وفق منطق براغماتي جديد، يتأسس على احترام سيادة الدول، وتغليب المصالح الثنائية، والاستقرار الإقليمي. إعادة فتح سفارة المغرب في سورية، وإغلاق مكتب البوليساريو، مؤشران على ولادة علاقة جديدة بين الرباط ودمشق، قائمة على الواقعية السياسية بدل الاصطفافات الأيديولوجية.
القرار السوري يُعتبر نصرا دبلوماسيا جديدا للمغرب في معركة تثبيت وحدته الترابية في الساحة الدولية. مرة أخرى، تثبت الدبلوماسية المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، أنها تشتغل برؤية استراتيجية عميقة، تُراكم المكاسب الميدانية دون ضجيج، ولكن بنتائج ملموسة.
وبإغلاق هذا المكتب، تكون سورية قد انضمت عمليا إلى الدول التي تتبنى الرؤية المغربية الواقعية لحل النزاع، والتي تعتبر أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الإطار الوحيد الجاد والممكن للحل. فكلما تقلصت المساحات التي يحتلها المشروع الانفصالي، كلما اقترب العالم من الاعتراف الكامل بسيادة المغرب على صحرائه.
لم تعد مغربية الصحراء مجرد موقف سياسي أو دبلوماسي، بل حقيقة تتكرس يوما بعد يوم، في إفريقيا، في أوروبا، والآن في قلب المشرق العربي. وإغلاق مكتب البوليساريو في دمشق ليس سوى خطوة أخرى في طريق حسم نهائي لقضية لا تقبل التقسيم، لأن السيادة لا تتجزأ، والوحدة الوطنية لا تُساوَم.