بيان لجنة إفريقيا في الاممية الاشتراكية يكشف تحولا داخل اليسار الدولي تجاه اكاذيب الجزائر وطرحات الجبهة الانفصالية

اصبح اعلان لجنة إفريقيا التابعة للاممية الاشتراكية، الصادر عقب اجتماعي 21 و27 نوفمبر، اكثر من مجرد موقف تقني يتعلق بمتابعة ملف اقليمي. فاللغة التي اعتمدها البيان تكشف تحولا هادئا لكنه عميق داخل اليسار الدولي، الذي بات يتجه تدريجيا نحو قراءة اكثر واقعية لنزاع الصحراء، بعيدا عن الشعارات القديمة التي روجتها الجزائر لعقود.
ترحيب اللجنة بقرار مجلس الامن 2797 واعتباره قاعدة لبناء توافق دولي حول حل سياسي عادل ودائم، يشكل اعترافا صريحا بان المسار الاممي اصبح مركز الثقل في هذا الملف. وهذا المسار يقوم على مفاهيم عملية: الواقعية، البراغماتية، والتوافق. وكلها معايير تتناقض بشكل مباشر مع الطرح الانفصالي الذي يفتقر الى اي رصيد اقتصادي او افق سياسي يمكن البناء عليه.
التحول الاكبر يتجلى في استعمال البيان لصيغة “الاطراف” وليس “الطرفين”، وهو تفصيل دقيق لكنه شديد الدلالة. فالقوى اليسارية، المعروفة تاريخيا بحساسيتها اتجاه قضايا التحرر، تدرك اليوم ان سردية الجزائر حول “النزاع بين المغرب والبوليساريو” لم تعد قابلة للتصديق، وان الدور المباشر للجزائر لم يعد ممكنا اخفاؤه خلف شعارات “الدعم الاخوي”. هذا الاعتراف الضمني يعكس اقتناعا متناميا داخل اليسار العالمي بان الجزائر ليست وسيطا كما تزعم، بل طرفا اساسيا يغذي النزاع ويمنع اي حل.
البيان يتقاطع ايضا مع حقيقة اخرى اصبحت بارزة في النقاش الدولي: الطروحات الانفصالية لا تقف على اي اساس اقتصادي او اجتماعي. ففي عالم يقاس فيه الاستقرار بقدرة الدول على بناء نماذج تنموية، تقدم الاقاليم الجنوبية للمغرب معطيات ملموسة: استثمارات، بنى تحتية، نمو سكاني، ومشاريع مهيكلة. وهي معطيات تجعل الخطاب الانفصالي اقرب الى وهم سياسي يعيش على خطابات ماضوية لا مكان لها في المعادلات الاقتصادية الراهنة.
كما ان القوى اليسارية في إفريقيا، التي تتابع هذا الملف من زاوية العدالة الاجتماعية، تدرك ان استمرار النزاع يعني استمرار حرمان المنطقة من الاندماج الاقتصادي ومن فرص التنمية المشتركة. لذلك كان البيان واضحا حين ربط تسوية النزاع بتعزيز الاندماج الاقليمي باعتباره شرطا للسلم والازدهار. وهي اشارة مباشرة الى ان خيار الانفصال لم يعد ينظر اليه كطريق نحو “التحرر”، بل كعقبة امام الاستقرار.
بهذا المعنى، لا يعكس بيان لجنة إفريقيا مجرد موقف سياسي، بل يعبر عن تحول ايديولوجي داخل جزء من اليسار الدولي، الذي بدا يدرك ان الشعارات التي روجتها الجزائر لعقود لم تعد قابلة للتسويق، وان الطرح الانفصالي يفتقر الى اي مشروعية سياسية او تاريخية او اقتصادية. ومع تزايد الاعتراف الدولي بواقعية المقاربة المغربية، يجد اليسار نفسه اليوم امام لحظة مراجعة تاريخية، عنوانها الاساسي: نهاية الوهم الانفصالي، وبداية التفكير في حلول عملية تضع استقرار الشعوب فوق الحسابات الايديولوجية الضيقة.




