
بقلم: يوسف المسكين
في الوقت الذي تهتز فيه الضمائر الحية حول العالم أمام مشاهد المجاعة في غزة، ومع تصاعد الدعوات داخل إسرائيل نفسها لوقف الحرب والحصار، يطفو على السطح سؤال محرج في المشهد المغربي: أين اختفت التيارات التي صدرت لنا خطاب “كلنا إسرائيليون”؟ وأين تلاشت أصوات التطبيع الثقافي والعاطفي، التي ادعت ذات يوم أن إسرائيل دولة عادية وشريكة “سلام”؟
المفارقة اليوم أن من يقود وقفات الاحتجاج داخل تل أبيب هم نشطاء يرفعون صور أطفال يتضورون جوعا في غزة، بينما اختارت بعض النخب المغربية الصمت، أو المراوغة، أو في أحسن الأحوال الاكتفاء بعبارات عمومية لا تسمي الجلاد ولا تواسي الضحية.
التحول في الرأي العام المغربي صار واضحا. موجة الغضب الشعبي التي تتسع كل يوم على وسائل التواصل الاجتماعي، والمبادرات الشبابية العفوية لجمع التبرعات أو تنظيم الوقفات، كلها تعكس انفصالا متزايدا بين ما يريده الشارع وما تصدره بعض النخب السياسية أو الإعلامية المروّجة للتطبيع.
المؤلم أكثر أن بعض هذه التيارات كانت إلى وقت قريب تستقوي بخطاب “التقارب الحضاري”، متجاهلة أن الحضارة لا تبنى على جماجم الأطفال، ولا تُقاس بكمية الدمار الممنهج. واليوم، ومع انكشاف حجم المأساة في غزة، يسقط القناع، ويظهر من كان مبدئيا في مواقفه، ومن باع قضاياه مقابل وهم الانفتاح.
السؤال اليوم لم يعد فقط حول الموقف من الحرب، بل حول الصدقية الأخلاقية والسياسية لبعض النخب التي خذلت ضمير الأمة. أما الشارع المغربي، فقد قال كلمته بوضوح: فلسطين ليست ورقة تفاوض، ولا مجالا للرمادية. هي قضية حق لا تقبل الحياد.