المغرب يرسم ملامح المرحلة الجديدة في ملف الصحراء المغربية من خلال تصريحات بوريطة

في حوار خصّ به وكالة الأنباء الإسبانية، قدّم وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة خارطة دقيقة لموقف الرباط من ملف الصحراء، معلنًا بوضوح أن المغرب لن يقبل بوجود “آلية مراقبة دولية”، ومؤكدًا أن المملكة لا تعترف بما يسمى “شعبًا صحراويًا” ككيان سياسي مستقل، مع إبراز أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 أصبحت اليوم الأساس الذي يعتمده مجلس الأمن في مقاربة الحل. كما كشف عن معطى جديد يتمثل في استعداد الولايات المتحدة لاستضافة وإدارة الجولة المقبلة من المفاوضات.
تصريحات بوريطة جاءت في سياق إقليمي ودولي متغير، وتبدو في جوهرها محاولة مغربية لإعادة ضبط النقاش على أسس واضحة تُبعد الملف عن أي تأويل سياسي أو قانوني قد تستغله الأطراف الأخرى. فرفض “آلية مراقبة دولية” يعكس حرص الرباط على تأكيد سيادتها الكاملة على أقاليمها الجنوبية، ورفض أي صيغة قد تُفهم كوصاية أو تدخل في كيفية تنفيذ الحل مستقبلاً. بالنسبة للمغرب، أي حل يتم داخل الإطار السيادي للمملكة وتحت إشراف مؤسساتها، وليس تحت إدارة أطراف خارجية.
أما تأكيده أن المغرب لا يعترف بوجود “شعب صحراوي” بمعناه السياسي الانفصالي، فهو إعادة تفكيك للخطاب المؤسساتي الجزائري الذي حاول طوال عقود بناء سردية قومية منفصلة. الرباط تُذكّر بأن الهوية الصحراوية كانت تاريخيًا جزءًا من الهوية المغربية الجامعة، وأن الانفصال لم يكن يومًا تعبيرًا عن واقع اجتماعي، بل صناعة سياسية خارجية رعتها ظروف الحرب الباردة وأطماع إقليمية.
وفي ما يتعلق بالحكم الذاتي، ركّز بوريطة على تحول جوهري: المبادرة التي كانت مقترحًا مغربيًا أصبحت مرجعًا دوليًا معترفًا به، بل الإطار الوحيد الذي يراه مجلس الأمن قابلاً للتطبيق. هذا التحول يعكس تراكم العمل الدبلوماسي المغربي خلال العقدين الأخيرين، حيث نجح المغرب في بناء دعم متين من قوى دولية كبرى كواشنطن ومدريد وبرلين وعدة دول عربية وإفريقية، ما جعل الطرح الانفصالي في موقع دفاعي دائم.
أما العنصر الجديد في تصريحات الوزير فهو تأكيده أن الولايات المتحدة ستستقبل وتدير المفاوضات المقبلة. هذا التطور يحمل دلالات سياسية عميقة، لأن انتقال واشنطن من دعم المبادرة المغربية إلى قيادة المسار التفاوضي يعني عمليًا منح الملف قوة دفع غير مسبوقة، ويضع الأطراف الأخرى أمام واقع دبلوماسي لا يمكن القفز عليه.
في المحصلة، مواقف بوريطة تعكس ثقة المغرب في مساره السياسي والدبلوماسي، وتؤشر لمرحلة جديدة عنوانها الوضوح والحزم: السيادة خط أحمر، الحكم الذاتي هو الإطار الوحيد للحل، والشرعية الدولية تتعزز لصالح الطرح المغربي. وبينما تستعد واشنطن لإدارة المفاوضات، يبدو أن المغرب يتجه من مرحلة إدارة النزاع إلى مرحلة هندسة الحل وفق رؤية واقعية ومسنودة دوليًا، ما يجعل السنوات المقبلة حاسمة في طيّ هذا الملف بشكل نهائي.




