عمال وعاملات النظافة… عبودية مغلفة بعقود رسمية!

في مغرب اليوم، حيث يتحدث الجميع عن “الكرامة” و“العدالة الاجتماعية”، تعيش فئة عمال وعاملات النظافة واقعا يندى له الجبين. أجورهم لا تكفي حتى لتغطية أساسيات العيش، فهناك من تتقاضى 1000 أو 1500 درهم، ومن تعتبر نفسها “محظوظة” إن وصلت إلى 2000 درهم شهريًا. مقابل ذلك، يعملون من الصباح حتى المساء في التنظيف، والترتيب، والغسل، في ظروف مجهدة ومنهكة، وكأننا ما زلنا نعيش زمن العبودية ولكن ببطاقات مهنية وعقود موقعة.
الطامة الكبرى أن هؤلاء العمال والعاملات لا يشتغلون في أحياء هامشية أو مصانع سرية، بل في المؤسسات العمومية، الجامعات، الإدارات، والمستشفيات! أما الشركات التي توظفهم، فهي تستفيد من صفقات ضخمة ممولة من المال العام، لكنها تدفع لهم أجورًا لا ترقى حتى إلى الحد الأدنى للأجور، دون رقيب أو مساءلة.
أليس من المخجل أن وزارة التشغيل تصمت على هذا الوضع وتغض الطرف عن هذه العبودية المقنعة؟ كيف يمكن تفسير استمرار هذا الاستغلال في مؤسسات من المفترض أن تكون حامية لحقوق الإنسان والقانون؟ أليس من الطبيعي أن يكون احترام الأجور وحقوق العمال شرطا أساسيا في كل صفقة عمومية؟
إن ما يحدث ليس مجرد خرق قانوني، بل خيانة أخلاقية لمبادئ العدالة الاجتماعية التي يرفعها الجميع شعارا دون تطبيق. حين تنظف عاملة مكاتب مسؤولين يتقاضون عشرات الآلاف من الدراهم وهي لا تملك ثمن وجبة كريمة، فالمشكلة لم تعد اقتصادية فقط، بل إنسانية ومؤسساتية.
يجب أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في حماية هذه الفئة التي تعمل في صمت، وأن تلزم كل مؤسسة عمومية أو خاصة باحترام الحد الأدنى للأجور، والتصريح بالعمال في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومراقبة تطبيق شروط العمل في الصفقات العمومية.
لقد آن الأوان لنتوقف عن تلميع صورة المؤسسات على حساب كرامة العاملات والعمال. فالنظافة ليست فقط نظافة المكان، بل نظافة الضمير أيضا.



