Site icon جريدة صفرو بريس

نجيب اتريد اليازغي يكتب : حي "ميكة" (الجزء 2)

كانت رقية أختا لثلاث ذكور المحظوظ فيهم لم يتمكن من الحصول على شهادة البكالوريا، فكان مآلهم مآل باقي شباب الحي. البطالة وانسداد الأفق. وفي كل مرة جلس الرجل على طاولة الأكل مع عائلة رقية يقول لهم: “والله العظيم إن رؤية هؤلاء الأولاد الضائعين المحرومين، لتذكرني بطفولتي بالجزائر. لقد كان وضعنا الاجتماعي متشابها، لكن اليوم والحمد لله، وبهجرتي إلى الخارج تغير الوضع وفتحت لنا أبواب الرزق. أعدكم بأني سأفعل كل ما في وسعي لإنقاذ كل هؤلاء الأولاد بما فيهم حتى باقي شبان الحي، سأساعدهم على الهجرة إلى الخارج، فأنا لدي علاقات كثيرة، وأمتلك ألف طريقة وطريقة…

   لقد تجدد الأمل واتسع الأفق بالنسبة لسكان الحي، فاستبشروا خيرا. بدأ الرجل يجالسهم ويصرف عليهم بعضا من ماله كأن يمدهم بالسجائر و..و.. حتى كسب ثقتهم. بقي على ذلك الحال إلى أن اختفى في صمت. ذهب ولم يعد لكن بعد أن أخذ من شبان الحي أموالا طائلة ومن رقية ما أراد. وأما مي مباركة، فكانت نظرتها للغريب مختلفة، لم تطمئن إليه ولم تثق به يوما. كانت دائما تقول: “ألم أقل لكم بأن حي ميكة راه ولى بحال الساندلة ديال الحمام، غير لي جا يخشي رجليه..؟”

   لم تغير السنين من الحي شيئا. لقد بقي على حاله، لا تطور ولا تبدل، ومي مباركة دائما تحدث نفسها وبعصاها تصارع التلوث، فلا رائحة الورد، ولا عصا مي مباركة بقادرين على إتلاف رائحة الواد الحار النتنة المتعفنة، إلى أن ظهر غريب جديد. كان رجلا متوسط القامة، ملفوفا بمعطف رمادي اللون، أصلع ووجهه مدور مائل إلى السمرة، عيناه تغطيهما نظارتان سوداوان كمفتش شرطة. لقد نزل ضيفا على رجل ادعى أنه قريبه لكن لم يكن يعرفه من قبل. لقد سهل عليه هذا الرجل مأمورية الاندماج داخل الحي والتعرف على الناس. لقد أقنع الرجل الأهالي بأن ضيفه شخصية مرموقة، يشغل منصبا مهما بالدولة، وبأنه يملك عصا سحرية لحل كل مشاكل الناس. وكعادة هؤلاء الأهالي السذج مزقوا القديم ولبسوا الجديد، ونسوا كل ما فات، فانساقوا وراء الغريب وقدموا له كل ما يملكون، ثم أعاد التاريخ نفسه فاختفى كسابقيه، فما كان من أهل الحي إلا أن أسلموا الأمر لصاحب الأمر في انتظار غريب جديد…

 

   أما مي مباركة، فكانت دائما المنظفة لمجرى الصرف الصحي، والحارسة الأمينة لشجرة الورد الدائمة الاخضرار وإنتاج الورود مهما قطف الكبار والصغار. لقد حفظ الجميع مقولتها المشهورة: “ـ ياك ديما كنقولكم بأن حي ميكة راه بحال الساندلة ديال  الحمام، غير لي جا يخشي رجليه.. ولكن مكتصدقونيش؟ إوا لهلا يجعل ليكم شي قدرة باش تصدقوا… !

Exit mobile version