منصة رقمية وطنية لتعزيز صحة الأمهات والمواليد… خطوة استراتيجية لترسيخ حكامة جديدة داخل المنظومة الصحية

في سياق الجهود المتواصلة لإصلاح المنظومة الصحية الوطنية وتعزيز أدوات الحكامة وجودة الرعاية، أطلقت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، اليوم الخميس، المنصة الوطنية لرصد وفيات الأمهات وتدقيق وفيات المواليد الجدد والاستجابة، وهي آلية رقمية حديثة تهدف إلى توفير معطيات دقيقة تسمح بفهم الأسباب الحقيقية للوفيات المرتبطة بالحمل والولادة، من أجل الحد منها وتحسين جودة التكفل بالأمهات والمواليد في مختلف أنحاء المملكة.
هذا المشروع الرقمي الجديد يأتي ليعالج إحدى أكثر القضايا حساسية في قطاع الصحة بالمغرب، حيث إن صحة الأم والطفل تُعتبر مؤشراً أساسياً على عدالة توزيع الخدمات الصحية وعلى قدرة النظام الصحي على الاستجابة للاحتياجات الحيوية للسكان.
وخلال لقاء رسمي بالرباط بمناسبة إطلاق المنصة، أكد وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أن هذه المبادرة الرقمية تمثل “خطوة جديدة في مسار الإصلاح العميق للمنظومة الصحية”، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل على اعتماد أدوات ذكية تساعد في تتبع الخدمات وتقييم جودتها وتصحيح الاختلالات في الزمن الحقيقي.
وأوضح الوزير أن المنصة الجديدة تقوم على تحليل مسار الرعاية الصحية للأم والطفل، ورصد نقاط الضعف، وتتبع مؤشرات الأداء وطنياً وجهوياً ومحلياً، بما يتيح إمكانية التدخل السريع والاستباقي، مضيفاً أن تفعيلها سيتم بشكل تدريجي ترافقه عمليات تكوين وتأهيل لفائدة المهنيين، مع الحرص على ضمان حماية المعطيات الحساسة.
وشدد التهراوي على أن الاهتمام بصحة الأم والطفل يدخل ضمن التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، باعتباره أحد ركائز التنمية البشرية ومحوراً رئيسياً لورش تعميم الحماية الاجتماعية.
من جهته، أبرز رئيس مصلحة حماية صحة الأم والمواليد الجدد بالوزارة، عز الدين بوزيد، أن المنصة تعتمد هيكلة تنظيمية تضمن تفاعلاً متواصلاً بين المستويات المركزية والجهوية والمحلية، ما يعزز الحكامة والشفافية ويخلق دينامية إصلاحية دائمة داخل قطاع رعاية الأم والطفل. وأشار إلى أن هذا النظام الرقمي سيساهم في تحسين المؤشرات الوطنية، لا سيما ما تعلق بتدقيق وفيات الأمهات والمراجعة السريرية للولادات الصعبة.
وتشير المعطيات الرسمية إلى أن المغرب سجل خلال السنوات الأخيرة تحسناً ملموساً في مؤشرات وفيات الأمهات والمواليد، حيث تراجع معدل وفيات الأمهات من 112 إلى 72.6 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية بين 2010 و2018، كما انخفض معدل وفيات المواليد الجدد من 21.7 إلى 13.56 وفاة لكل 1000 ولادة حية خلال الفترة نفسها. ورغم ذلك، تؤكد الوزارة أن الحاجة ما تزال قائمة لتسريع وتيرة التقليص من الوفيات القابلة للتفادي، باعتبار ذلك “أولوية وطنية مستعجلة”.
ويُنتظر أن تُحدث هذه المنصة تحولاً نوعياً في التعامل مع هذا الملف، من خلال ضمان التتبع المستمر، وتوحيد قواعد جمع المعطيات، وتحسين الاستجابة الطبية والتنظيمية، مما سيعزز ثقة المواطنين في المنظومة الصحية ويؤكد توجه المغرب نحو نموذج صحي أكثر فعالية وإنصافاً.



