Site icon جريدة صفرو بريس

مطاحن تخلط الورق بالقمح… أي عبث هذا؟

في مشهد جديد من مشاهد العبث واللامسؤولية، كشف أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، عن فضيحة تهز الضمير الوطني، حين قال إن بعض الشركات تطحن الورق مع القمح. تصريح خطير، يختزل حجم الانحطاط الذي وصل إليه بعض المتحكمين في قوت المغاربة، وحجم الفوضى التي تسمح لمثل هذه الكوارث أن تمر في صمت لولا أن انكشف المستور تحت قبة البرلمان.

أن يُخلط الورق بالقمح، فذلك يعني أن المواطن البسيط، الذي يصارع من أجل لقمة العيش، يُطعم أبناءه خبزا ملوثا بالغش والجشع. إنها ليست مجرد فضيحة صحية، بل جريمة اجتماعية واقتصادية وأخلاقية، تعكس ضعف الرقابة وغياب الردع، وتكشف عن شبكة مصالح متغلغلة في القطاعات الحيوية، حيث يتحول القمح، رمز الحياة، إلى أداة للتربّح على حساب صحة الناس.

في كل مرة نكتشف أن الفساد في هذا البلد لا حدود له. فضيحة اليوم في القمح، وغدا قد تكون في الماء أو الدواء أو الهواء نفسه. كأننا نعيش في حلقة مفرغة من الفضائح التي تتكرر في كل قطاع، بنفس السيناريو: مسؤولون صامتون، ومؤسسات عاجزة، ومواطن يبتلع الغضب في صمت، بينما يتحدث المسؤولون عن “النموذج التنموي الجديد” و”العدالة الاجتماعية”.

كيف يمكن الحديث عن التنمية والعدالة، فيما الخبز الذي يرمز إلى الكرامة أصبح محل شك؟ كيف يُترك قطاع حيوي كهذا في أيدي عديمي الضمير دون رقابة حقيقية أو محاسبة صارمة؟

ما قاله التويزي يجب أن لا يمر مرور الكرام. يجب أن يكون بداية تحقيق شامل، تُفتح فيه ملفات المطاحن والمخازن والمراقبة الصحية، وأن يُعرض كل من تورط أمام القضاء، لأن القضية لا تتعلق فقط بالغش، بل بمحاولة تسميم جماعي بدم بارد.

لقد تعب المغاربة من الشعارات، ومن “اللجان” التي لا تثمر سوى الصمت. نحتاج إلى دولة تحمي صحة مواطنيها قبل أرباح شركاتها، وإلى مؤسسات لا تخاف من قول الحقيقة، وإلى إعلام حر لا يغطّي الكوارث بل يفضحها.

فمن يطحن الورق مع القمح اليوم، قد يطحن غدا كل ما تبقى من ثقة بين المواطن والدولة.

Exit mobile version