Site icon جريدة صفرو بريس

مشروع قانون إنقاذ الأبناك بالمال العمومي

قرار الحكومة المصادقة على مشروع قانون يسمح بضخ أموال عمومية لإنقاذ الأبناك من الإفلاس يثير كثيرا من علامات الاستفهام. فمن زاوية أولى، نحن أمام مقاربة تبدو وكأنها تكافئ المؤسسات المالية على سوء تدبيرها، في حين يطلب من المواطنين شد الأحزمة والتقشف في أبسط الخدمات الاجتماعية.

إذا كانت الدولة مستعدة لاستخدام أموال دافعي الضرائب لإنقاذ مؤسسات مالية خاصة، فهذا يعني أن المخاطر يتم تحميلها للمجتمع بينما الأرباح تبقى حكرا على البنوك ومساهميها. المواطن يؤدي الثمن مرتين: مرة عندما يفرض عليه أداء الضرائب، ومرة أخرى حين يرى أن تلك الضرائب توجه لإنقاذ أبناك كان يفترض أنها قادرة على تدبير مخاطرها بنفسها.

هذا القانون يعمق الفجوة الاجتماعية. كيف يمكن أن نتحدث عن “اقتصاد السوق” إذا كانت الخسائر توزع على الجميع بينما الأرباح تخصخص؟ الأجراء والعاطلون والمقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تنهار يوميا بسبب قلة الدعم، لا تجد أمامها أي “صندوق إنقاذ” يمد لها يد العون. في المقابل، البنوك التي راكمت الأرباح لعقود، تجد اليوم الدولة تفتح لها خزينة المال العمومي باسم “الاستقرار المالي”.

في وقت يعاني فيه قطاع الصحة العمومية من خصاص مهول، والمدرسة العمومية من أعطاب هيكلية، والبنية الاجتماعية من هشاشة واضحة، يأتي هذا المشروع ليؤكد أن أولويات الحكومة ليست مع المواطن بل مع المؤسسات المالية. وكأن رسالة الحكومة: “إذا انهارت حياتك الاجتماعية فلست أولوية، لكن إذا اهتز بنك فكلنا في خدمته”.

اما فيما يخص توسيع صلاحيات “صندوق الضمان الجماعي للودائع” ليصبح أيضا ممولا لتسوية الأزمات البنكية يعني في العمق أن ودائع وأموال البنوك الصغرى والمتوسطة ستستخدم لضمان استمرارية البنوك الكبرى. هنا نتحدث عن تركيز أكبر للسلطة المالية بيد قلة، على حساب باقي الفاعلين الاقتصاديين.

ان المواطن البسيط سيشعر مرة أخرى بأن الحكومة لا تحميه بل تحمي مصالح الكبار.الثقة في المؤسسات ستتآكل أكثر، في بلد يعاني أصلا من ضعف الثقة السياسية والاقتصادية.

أي استنزاف للمال العمومي في اتجاه الأبناك يعني تقلص الموارد المتاحة للاستثمار في الصحة، التعليم، التشغيل، والسكن، وهي قضايا ملتهبة اجتماعيا.



هذا المشروع ليس فقط قانونا تقنيا لمعالجة أزمات مالية محتملة، بل هو إعلان صريح عن نموذج اقتصادي يضع الأبناك فوق المجتمع. إنه يرسخ منطق “المجتمع في خدمة البنوك” عوض أن تكون الأبناك أداة في خدمة المجتمع. والنتيجة الحتمية لذلك هي مزيد من التقشف الاجتماعي، وتعمق الفوارق، وإضعاف التضامن الوطني.

Exit mobile version