Site icon جريدة صفروبريس

مدينة المنزل بين ذكريات الماضي المجيد وخيبات الحاضر الكئيب

بداخل مقهى شعبي قديم، بأحد الأزقة الضيقة بمدينة المنزل، جلس كهل نحيف على كرسي مهترئ بيده أعقاب سيجارة مكتنزة تكاد تحرق أصابعه .يتطلع إلى سحب الدخان المنتشرة حوله بشكل كثيف أحيانا .وأحيانا ينظرباستغراب إلى الجدران المتآكلة حوله كأنه يراها لأول مرة .. شرد بذهنه بعيدا عن ضوضاء المكان ،وعاد بذاكرته إلى أيام شبابه، تذكر كم كان نشيطا حينها، مزهوا بلياقته البدنية العالية، كان الجميع يتنبأ له بمستقبل رياضي زاهر ،فماذا حصل ؟ تذكر كيف كان يداعب الكرة في الملعب القديم والأمجاد التي حققها فريقه في عهده .. تنهد بعمق وأسف على أن يكون هذا كله مجرد ذكرى مؤلمة ..نعم مؤلمة لأنها تفرض عليه المقارنة بين الماضي المجيد، و الحاضر الكئيب، كل شيء لم يعد على حاله ،فلا هو استمر في أمجاده كما كان ،ولا الملعب القديم بقي على حاله ،فقد تم الاستغناء عنه و شيدت فوقه عدة مبان لا يدري لها دورا…

  قطع أفكاره فجأة وقوف النادل أمامه، كرر عليه السؤال للمرة الثالثة:” واش نجيب الكارطة؟!” حدق في وجهه بدهشة كأنه يراه لأول مرة..أعادته كلماته إلى عالمه الكئيب، طال صمته وهو يتأمله كأنه غريب عنه ، عاد النادل يكرر عليه من جديد وسط ابتسامة خبيثة:” واش نجيب الكارطة، ولا غادي تشوف البارصا؟” رد عليه هذه المرة بأنه لا يريد شيئا. أحنقه كثيرا أنه لم يعد يعرف من اللعب إلا “الكارطة” ومن كرة القدم إلا مشاهدة” البارصا” والتصفيق وسط صخب الحشاشين وصراخهم…

   أشعل سيجارة جديدة بيد ترتعش، وعاد يسرح بخياله بعيدا من جديد، إنه لم يتجاوز الثالثة والأربعين من عمره، فلم تبدو عليه علامات الشيخوخة المبكرة هكذا؟ تذكر أنه لم يكن لوحده السبب فيما آلت إليه وضعيته المزرية، فقد أثر عليه وعلى أصدقائه كثيرا حذف الملعب الوحيد بالمدينة وتفويته للبناء دون تعويضه بملعب آخر، أحس بأن سياسة المجلس البلدي كانت ضد نجاحه.. استقر على هذه الحقيقة أخيرا وارتاح إليها، وشعر بالحمل الثقيل ينزاح عن كاهله.. فجأة وجد في نفسه رغبة عارمة في تعداد عيوب المجلس البلدي ليزيح عن نفسه تبكيت الضمير، وأخذ يتساءل في صوت شبه مسموع: الاستغناء عن الملعب دون تعويضه.. تفويت المسبح البلدي لإقامة شبكة ميديتيل وسط المدينة.. تعبيد البساتين بضواحي المدينة على حساب أحيائها المهمشة.. قطع الأشجار المعمرة..و،و،و… وارتفع صوته تدريجيا ليصبح صراخا وسط ذهول المحيطين به وهو يقول: حقا إنها مدينة تخطو نحو الوراء…

Exit mobile version