Site icon جريدة صفرو بريس

مافيا الأنسولين تهز الدار البيضاء وتكشف اختلالات خطيرة في منظومة الصحة الجماعية

تعيش مدينة الدار البيضاء منذ أسابيع على وقع فضيحة مدوية تمسّ أحد أهم القطاعات الحيوية المرتبطة بصحة المواطنين، ويتعلق الأمر بشبكة يُشتبه في تورطها في التلاعب بصفقات تزويد مراكز حفظ الصحة بالأنسولين وأدوية الأمراض المزمنة، في خرق خطير للقوانين المنظمة وتفريط في حقوق آلاف المرضى من الفئات الهشة.

وتشير المعطيات الأولية إلى أن الأمر لا يتعلق بحالة معزولة أو تجاوز فردي، بل بشبكة متكاملة الأطراف تضم منتخبين محليين، موظفين جماعيين، وصيادلة، استفادوا على مدى سنوات من ثغرات في تدبير الصفقات العمومية الخاصة بالأدوية، وتحكموا في مساراتها بشكل يطرح أكثر من علامة استفهام.

فبين سنتي 2018 و2022، تم إبرام عشرات الصفقات المرتبطة بتوريد الأنسولين ومستلزمات طبية أخرى لفائدة الجماعة والمقاطعات الست عشرة التابعة لها، بمبالغ تجاوزت 105 ملايين درهم، خُصص منها ما يفوق 37 مليون درهم فقط لاقتناء أدوية داء السكري، وعلى رأسها الأنسولين.

ما يثير الريبة أكثر هو أن صيدليتين فقط، إحداهما تنتمي لبوزنيقة والأخرى لمكناس، استحوذتا على أكثر من 85% من إجمالي تلك الصفقات، في وقت يُفترض فيه أن تتم المنافسة على أساس قواعد السوق والمساواة بين الموردين، وهو ما لم يحدث فعليًا. إذ جرى إقصاء موردين آخرين دون مبررات واضحة، وتم اعتماد أسعار تفوق السعر المرجعي الوطني المحدد من طرف السلطات المختصة.

وفي تطور خطير، كشفت شهادات موظفين داخل مراكز حفظ الصحة عن تعرضهم لضغوط من أجل التوقيع على وثائق استلام أدوية لم يتوصلوا بها، أو تم تسليمها بشكل منقوص، وهو ما يثير شبهة التلاعب المباشر في الكميات وتوجيهها إلى جهات غير معلومة، ما يعمّق الشكوك حول وجود عمليات تهريب أو إعادة بيع سرية في السوق السوداء.

القضية فتحت شهية الرأي العام لمساءلة المسؤولين الجماعيين عن طريقة تدبير قطاع حيوي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالحياة اليومية للمواطنين، خاصة أن الأنسولين لا يمكن الاستغناء عنه من طرف مرضى السكري، وهو ما يجعل أي تلاعب به بمثابة تهديد مباشر للحق في الحياة.

القانون المغربي المنظم لقطاع الأدوية، وخاصة القانون رقم 17.04، يمنع على الصيدليات التعامل كموردين بالجملة للقطاع العام، وهو ما تم تجاوزه بشكل صارخ في هذه الصفقات، حيث جرى التعامل مع صيدليات تجزئة كما لو كانت شركات توزيع، دون أن تتدخل المصالح الرقابية لإيقاف هذا النزيف.

وفي انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات الجارية، بات واضحًا أن الأزمة تتجاوز مجرد خلل إداري أو محاسبي، لتصل إلى مستويات عميقة من التواطؤ واستغلال النفوذ، تتطلب المحاسبة الصارمة والمسؤولية السياسية والأخلاقية.

وتُطالب فعاليات مدنية وحقوقية بفتح تحقيق شفاف ونزيه يشمل كافة تفاصيل الملف، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتدقيق كل الفواتير والعقود المرتبطة بتوريد الأدوية للمقاطعات، حمايةً للمال العام، وضمانًا لكرامة المرضى الذين لا يملكون من أمرهم سوى انتظار حقنة تحفظ حياتهم.

Exit mobile version