Site icon جريدة صفرو بريس

ماذا يُنتظر من صاحب تاريخ أسود… سوى تحالفات أشد سوادًا؟

حين يختار موسى ماسكا ويتانغ’لا، رئيس البرلمان الكيني، أن يصطف إلى جانب كيان انفصالي مثل “البوليساريو”، فذلك لا يُعد مفاجئًا لأي متتبع لمساره السياسي المضطرب. فهذا الرجل، الذي يشغل اليوم ثالث أرفع منصب دستوري في بلاده، لا يحمل في سجله السياسي ما يؤهله لأن يتحدث عن الشرعية أو تقرير المصير، بقدر ما يُعرف بملفات فساد، وفضائح مالية، وصفقات مشبوهة ظلت تلاحقه على مدى أكثر من عق

فضيحة السفارة اليابانية: البداية السوداء

في أكتوبر 2010، اضطر ويتانغ’لا إلى تقديم استقالته من وزارة الخارجية بعد انفجار فضيحة دبلوماسية كبرى تمثلت في شراء مبنى سفارة كينيا في طوكيو بطريقة غير قانونية. تم صرف أكثر من 1.6 مليار شلن كيني (نحو 14 مليون دولار) من أموال الدولة لشراء عقار دون اتباع المساطر المالية والإدارية، مما أثار عاصفة سياسية وإعلامية داخل نيروبي. تم فتح تحقيق برلماني، ووُجهت اتهامات مباشرة لويتانغ’لا بـ”الإشراف على صفقة مشبوهة تمت دون شفافية، وبأسعار مبالغ فيها” – رغم أن القضاء لم يصدر إدانة صريحة، فإن حجم الفضيحة كان كافيًا لإطاحته من الوزارة ومحو أي رصيد أخلاقي له كصانع قرار.

تواطؤ مع لوبي التبغ: الرشوة على الطاولة

في 2018، أُعيد تسليط الضوء على اسم ويتانغ’لا ضمن تحقيق استقصائي كبير أجرته هيئة BBC Panorama، والذي كشف أن شركة British American Tobacco (BAT) قدمت رشاوى لمسؤولين أفارقة لتسهيل صفقاتها، وكان ويتانغ’لا، وزير التجارة حينها، من بين الأسماء الواردة في التحقيق. أظهر التقرير رسائل إلكترونية ومكالمات تُشير إلى أن الشركة دفعت مصاريف سفر وإقامة لأشخاص مقربين منه، من دون أي وثائق تبريرية. ورغم نفيه، فإن الوقائع لم تُمح من ذاكرة الرأي العام، بل زادت من ترسيخ صورته كمسؤول يشتغل بمنطق “العلاقات مقابل الامتيازات”.

ملفات فساد إضافية: مسلسل لا ينتهي

خلال فترة شغله لمناصب وزارية أخرى، ورد اسمه في تقرير رقابي عن صفقات معدات عسكرية سنة 2012، شابتها شبهات تضخيم الأسعار والتلاعب في العروض.

في البرلمان، وُصف أداؤه أحيانًا بـ”الانتقامي”، حيث استغل موقعه كرئيس للمجلس لتصفية خصومه السياسيين، وتمرير قوانين تثير الجدل دون احترام المساطر الديمقراطية.

في أوساط المجتمع المدني، لا يزال اسمه مقترنًا بـ”الصفقات الغامضة”، و”النفوذ الخفي”، و”الاحتماء بالحصانة لعرقلة المحاسبة”.

من التاريخ الأسود إلى التحالف الأسود

لذلك، عندما يعلن موسى ويتانغ’لا دعمه العلني لعصابة البوليساريو، ويستقبل ممثليها في مكتبه البرلماني، ويصفهم بـ”مناضلي الحرية”، فإن هذا لا يُعد سوى استمرار طبيعي لخطه السياسي المظلم. فالرجل الذي بدّد أموال الدولة، وسهّل مصالح لوبيات التبغ، وتورّط في صفقات مشبوهة، لن يجد أي حرج في الاصطفاف إلى جانب كيان انفصالي يعيش على الدعم الجزائري والابتزاز الإنساني والدبلوماسي.

إنه ببساطة، تحالف بين الفساد والانفصال، بين رجل فقد مصداقيته في بلاده، وتنظيم فقد شرعيته في إفريقيا. ويتانغ’لا لا يدافع عن تقرير المصير، بل يُسوّق لانفصال مفبرك، يُستعمل كورقة مساومة، تمامًا كما استعمل مناصبه لتصفية الحسابات واستنزاف المال العام.

تناقض صارخ مع بلده

اللافت أن ويتانغ’لا لا يُمثل حتى موقف بلاده الرسمي. فالحكومة الكينية، ممثلة في الرئيس ويليام روتو ووزارة الخارجية، عبّرت مرارًا عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي وذي مصداقية لقضية الصحراء المغربية. ومع ذلك، يصر رئيس البرلمان على شق الصف السياسي الداخلي والانحياز لأجندات خارجية تخدم المشروع الجزائري في القارة.

هذا التناقض لا يمكن فهمه إلا في ضوء تاريخ رجل اعتاد أن يشتغل خارج ضوابط الدولة، ويستخدم موقعه لخدمة مصالحه لا مصالح مؤسسات بلاده. ومن الطبيعي، حينها، أن نجد اسمه في الصفوف الأمامية لحملة دعم عصابة البوليساريو، جنبًا إلى جنب مع أنظمة ومليشيات تقتات على الفوضى.

من كان تاريخه حافلًا بالفساد، لا يُنتظر منه إلا أن يتحالف مع مشاريع فاسدة.
من تلطخت يداه بصفقات مظلمة، لن يتردد في تبني ملف انفصالي بضاعة انتهت صلاحيتها.
ومن عجز عن خدمة شعبه بشفافية، سيبحث دومًا عن قضية خارجية يتخفّى وراءها.

هكذا هو موسى ويتانغ’لا… رجل تحالفاته بحجم ماضيه: سوداء ومشبوهة.


Exit mobile version