أما ٌالفراوة ٌ فهو عمود سميك، متوسط الطول ، يستخرج ما بداخله حتى يأخذ شكلا مجوفا يشبه ساقية يمر منها الماء ، ويوضع بشكل مائل على حائط أو على جذع شجرة. يأخذ شخص ما بيد رزمة صغيرة رزمة صغيرة من القصب ويضعها عرضا على حافتي ًالفراوة ً، وباليد الأخرى يمسك برأس ً الميجم ً الذي هو عمود يوازي طوله طول ً الفراوة ً لكنه أقل منها سمكا، ويهوي بقوة على رزمة القصب عدة مرات إلى أن تتهشم ، ثم يشرع في الضرب بها على الحائط أو الشجرة وجزيئات القصب الصغيرة تتطاير متلألئة في الهواء، كالنمل ذي الأجنحة تحت أشعة الشمس وهو غارق في الاستمتاع بأيامه الأخيرة في الحياة. وما يتبقى باليد، ذاك هو الفيلاص.
ـ شيء جميل وممتع يا أبي..! أهذا كل شيء؟
ـ نعم يا بني! هناك كنز آخر، وإن لم يكن ماديا فإنه لا يقل أهمية عن باقي الكنوز. إنه التراث، وتراثنا نوعان: الحيدوس وعيساوة. فبالنسبة للحيدوس، هناك الشق الاستعراضي، والشق الغنائي أو الشعري. وبخصوص الشق الأول ، أقصد الرقصة التي تؤدى بفنية من طرف راقصين يلبسون زيا موحدا، ويكون عبارة عن جلباب وعمامة ، بحيث يصطف الراقصون في صفين متقابلين، يتوسطهم عازف للإيقاع أو أكثر. أما بخصوص الشق الثاني ، نجد الشاعر ـ المسمى بالشيخ ـ وفي نفس الوقت المنشد ، يطرق جميع الأغراض الشعرية من مدح ، وهجاء ، وغزل ،وحماسة، وتصوف… وفي مناسبات أخرى سأشرح لك كل هذه الأغراض الشعرية بالأمثلة. وإذا ما وصلنا إلى ثرات عيساوة ، كنا نجده متمركزا على وجه الخصوص بدوار السراغنة، وتاغروت ودار حقون. كانت لهذا التراث إيقاعات جميلة تخرجك من العالم المادي المحسوس، وتنقلك إلى عالم الجدبة ، والحضرة، والتصوف ، والمثل ، بحيث تدخلك في علاقة مباشرة ودائمة مع خالقك. أما كلماته ، فكلها ابتهال، واستعطاف وتضرع للواحد الأحد، كقولهم مثلا:
االله يالله مولانا مولاي أيا سيدي أيا الكريم جود عليا
الموت كاينة ملامات يموت أيا بابا العمدة علا قليل النية
والسبب في ضياع هذه الكنوز يا بني هو قلة الحيلة ، وضيق ذات اليد، وبحيث لا يمكن لأي شيء أن يستمر أو يتطور في غياب من يقدم لأصحابه يد العون والمساعدة. أما التراث ، فالسبب في ضياعه هو أصحابه، وأقصد بذلك نحن ! فكلنا مسؤولون ! نحن الذين تنكرنا له واستبدلناه بغيره تحت مظلة أنه غير مقبول فنيا… وأنت يا ولدي مازلت صغيرا ، والأيام أمامك طويلة. فلما تكبر وتتعلم إذا عثرت على شعب واحد في الدنيا ليس لديه تراث، أو كان لديه وفرط فيه، آنذاك سأتفق معك على قتل تراثنا وإقباره إلى الأبد!