Site icon جريدة صفرو بريس

في الهامش… تكتب اليابان قصة تنمية جديدة في قلب الجنوب الشرقي للمغرب

بعيدًا عن الأضواء الرسمية والمجالس الوزارية، وفي صمت لا تجيده إلا الدول التي تتقن الدبلوماسية الهادئة، وقّعت اليابان هذا الأسبوع على صفحة جديدة من التعاون التنموي مع المغرب. في قلب الجنوب الشرقي، وتحديدًا بإقليمي الرشيدية وتنغير، تم الإعلان عن تقديم دعم مالي مباشر بقيمة 157 ألف دولار لفائدة ثلاث جماعات قروية، في إطار برنامج “KUSANONE” الياباني لدعم المشاريع القاعدية.

لا مؤتمرات كبرى، ولا شعارات مُزخرفة. فقط التزام صريح بالعمل الميداني، يستهدف حاجيات واقعية: تحسين البنية التحتية الاجتماعية، دعم التعليم، تقوية الخدمات الصحية، وربما أهم من ذلك كله، ردّ الاعتبار لمناطق لطالما كتبت بصمتها الخاصة خارج دوائر الخطط المركزية.ما يميز هذه المساهمة، أنها تخرج من نطاق “القروض” و”البرامج المشروطة” التي غالبًا ما ترافق التمويل الدولي، لتُدرج ضمن منطق “الدعم المباشر غير الحكومي”. فهي لا تمرّ عبر المركز، بل تصل إلى القرى والجماعات الترابية لتغذي مشاريع صغيرة بحجمها، كبيرة بأثرها.

برنامج KUSANONE الذي تنخرط فيه السفارة اليابانية منذ سنوات، يقوم على دعم مباشر للجمعيات المحلية والجماعات، دون وسطاء أو بيروقراطيات ثقيلة، مما يخلق دينامية محلية ميدانية. وقد استفادت منه بالفعل العشرات من الجماعات المغربية في السنوات الأخيرة. أن تختار اليابان تنغير والرشيدية اليوم، فذلك ليس اختيارًا جغرافيًا عابرًا، بل رسالة واضحة: التنمية ليست حكرًا على المحاور الحضرية الكبرى. ففي الوقت الذي ما زالت فيه مناطق الأطلس والجنوب الشرقي تطالب بمزيد من العدالة المجالية، تأتي هذه المبادرات لتعيد التوازن ولو جزئيًا.

التمويل لا يحلّ كل شيء، لكنه بداية. وهو، على محدوديته، يكشف أن التغيير الحقيقي لا يحتاج دائمًا إلى أرقام فلكية، بل إلى إرادة حقيقية، وتعاون دولي يحترم الواقع المحلي دون أن يفرض نماذج جاهزة.

المشاريع التي ستُموَّل في هذه الجماعات لم يُعلن عن تفاصيلها الكاملة بعد، لكن المؤكد أنها ستوجه إلى مجالات ذات أولوية للسكان: مياه الشرب، تجهيز المدارس، وحدات طبية متنقلة، أو دعم التعاونيات النسائية… وهي خطوات صغيرة، لكنها تشبه تلك الحبات الأولى من المطر التي تبشّر بموسم مختلف.

Exit mobile version