العالم

فضيحة اختلاس المساعدات الإنسانية في تندوف: منظومة مفترسة ترعاها الجزائر وتصمت عنها الأمم المتحدة

بين جدران البؤس في مخيمات تندوف، تتبخر المساعدات الإنسانية قبل أن تصل إلى أفواه الجوعى، بينما تتوالى في جنيف تقارير الإدانة بنفس الوتيرة التي تُسرق بها المساعدات. في مارس 2025، أعادت منظمات دولية غير حكومية، من بينها الشبكة الإفريقية لحقوق الإنسان والحوكمة (مالي) والمركز الدولي للبحث والتحليل حول النزاعات (ألمانيا)، فتح ملف منظومة النهب المستدام التي تُدار بتواطؤ رسمي جزائري، لتسلب من لاجئين يعيشون على فتات العالم حقهم في الغذاء والدواء والتعليم.

ميناء وهران… أولى محطات الاختلاس

تصل المساعدات من الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأغذية العالمي والصليب الأحمر وأزيد من خمسين منظمة دولية إلى ميناء وهران الجزائري، قبل أن تُشحن نظريًا إلى مخيمات تندوف. لكن الواقع يكشف أن نسبة كبيرة من هذه الشحنات يتم تحويلها إلى مخازن سرية داخل الجزائر، دون أي رقابة مستقلة.

قمح كندي عالي الجودة، موجه لإطعام الأسر الجائعة، يُباع في الأسواق السوداء بالجزائر وموريتانيا، ويُستبدل بأنواع رديئة. الزيت، البيض، الطحين، اللوازم الطبية والكراسي المتحركة، وحتى خيام الإيواء وحقائب الدراسة… كلها تُحوّل إلى تجارة مربحة على حساب نساء وأطفال ينتظرون يوميًا مساعدات لا تصل.

منظومة فساد موثقة… ومسؤوليات تتراكم

رغم مبدأ المجانية الذي يؤطر العمل الإنساني، فرضت الجزائر ما يشبه “الضريبة” على المساعدات، تتراوح بين 5% و10%، وفقًا لمصادر متطابقة. وقد ندد البرلمان الأوروبي بهذا النظام في قرار صدر سنة 2020، متهمًا الجزائر والبوليساريو بإدارة منظومة نهب ممنهجة للمساعدات الدولية.

تسريبات “ويكيليكس” سنة 2009 أكدت وجود تلاعب بالأرقام من طرف “الهلال الأحمر الصحراوي” الذي يضخم أعداد المستفيدين، لتبرير استلام كميات ضخمة من المساعدات، التي يُحوَّل جزء منها إلى السوق. ورفض الجزائر والبوليساريو إجراء أي إحصاء رسمي في المخيمات منذ سبعينيات القرن الماضي فتح الباب أمام تضخيم الأرقام. ففي حين يُعلن رسميًا عن 170 ألف لاجئ، تشير التقديرات الواقعية إلى ما بين 45 و60 ألف فقط، مما يعني أن فائض المساعدات يتحول إلى عائدات فساد.

واشنطن تتحرك… وأوروبا تتشكك

منذ 2019، دعمت الولايات المتحدة إجراء تدقيق دولي شامل في آليات توزيع المساعدات، وقلصت مساهماتها المباشرة غير الخاضعة للرقابة. تقارير الـCIA وUSAID حذرت مرارًا من غياب الشفافية، ما دفع إلى تعديل برامج الدعم الأمريكية.

في أوروبا، دقت لجنة التنمية بالبرلمان الأوروبي ناقوس الخطر في يوليو 2020. النائبة دومينيك بيلد اتهمت الجزائر والبوليساريو بتضخيم الأرقام وبيع المساعدات، مشيرة إلى تمويل مشتريات عسكرية مثل الدبابات من أرباح هذه التجارة. وقد أقر مفوض إدارة الأزمات الأوروبي حينها بوجود “شكوك حول الأرقام الحقيقية”.

وفي مارس 2023، طالب الأمين العام للأمم المتحدة مجددًا بإجراء إحصاء رسمي في تندوف. كما أشار تقرير داخلي لبرنامج الأغذية العالمي إلى أن توزيع المساعدات يشمل أسرًا ليست في حاجة ملحّة لها، ما يُفاقم التفاوت بين المحتاجين الحقيقيين والمستفيدين المزيفين.

الأرستقراطية الجديدة في تندوف: نبلاء على حساب المأساة

تحولت “القيادة الصحراوية” إلى طبقة مترفة بفضل عائدات الفساد. فبينما يعيش السكان في ظروف مزرية، يتمتع قادة البوليساريو بحياة مريحة، ويملكون فيلات فاخرة على السواحل الإسبانية، ومكاتب راقية في نواكشوط ونواذيبو، ويُرسلون أبناءهم للدراسة في كوبا وفرنسا.

ويذهب الأمر أبعد من ذلك، إذ تربط قيادة البوليساريو الحصول على المساعدات بالولاء السياسي. ففي مقابل الخدمات العسكرية، تُمنح الحصص الغذائية لعائلات المقاتلين، وفقًا لما كشفه موقع Modern Ghana الإفريقي.

الجزائر… دولة راعية للاختلاس

الجزائر، بوصفها الدولة المضيفة، تتحمل مسؤولية قانونية كاملة عن ما يجري. فهي التي تدير عملية استقبال المساعدات، ونقلها، وتخزينها، وتوزيعها، دون تدخل مباشر من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وهي، أيضًا، التي ترفض أي تدقيق مالي مستقل. وقد أشار تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن الجزائر لا يمكنها التملص من مسؤولية حقوق الإنسان داخل أراضيها.

في 2023، صرّح الناشط النرويجي إريك كاميرون بأن الجزائر شريكة في “سرقة ممنهجة” للمساعدات، إذ تُستغل معاناة سكان المخيمات كورقة ضغط سياسية في المحافل الدولية.

2025… الفضيحة مستمرة وسط صمت رسمي

ورغم فضح هذا النظام لعقود، فإن الفساد مستمر، بتكتم أكبر. المصالح المتشابكة، والتحالف بين نخبة البوليساريو والبيروقراطية الجزائرية، يحولان دون أي إصلاح. وفي ديسمبر 2025، قدّرت وكالات أممية ومنظمات غير حكومية حاجيات تندوف بنحو 214 مليون دولار، فقط لتأمين الحاجيات الأساسية.

غير أن نداءات الأمم المتحدة لم تجد آذانًا صاغية لدى المانحين الدوليين الذين سئموا من تمويل منظومة فاسدة، بينما تواصل الجزائر التقاعس عن مسؤولياتها، وتحافظ على حالة البؤس الممنهج داخل مخيمات تندوف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى