في تطور خطير يعكس حجم التخبط واليأس الذي تعيشه ميليشيات “البوليساريو”، تبنت هذه الأخيرة، في بلاغ رسمي صادر يوم الخميس 27 يونيو، عملية قصف استهدفت مدينة السمارة بالصحراء المغربية، في هجوم وصف بالمحاولة الإرهابية الفاشلة التي وُوجهت بيقظة حازمة من طرف القوات المسلحة الملكية.
وبحسب المعطيات الأولية، فقد أسفرت العملية عن مقتل جميع العناصر المشاركة فيها، بعد تدخل ناجح لطائرة مسيّرة مغربية حيّدت الخطر بشكل دقيق وسريع، مما يؤكد مرة أخرى جاهزية الأجهزة الأمنية المغربية وقدرتها على إفشال أي تهديد يمس أمن الوطن والمواطنين.
اللافت أن بعض المقذوفات سقطت بالقرب من مقر بعثة الأمم المتحدة “المينورسو”، ما دفع هذه الأخيرة إلى توجيه مراسلة عاجلة إلى منظمة الأمم المتحدة، في مؤشر خطير على حجم التهور الذي بلغته العصابة، والتي باتت لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية، ولا تتردد في تهديد بعثات حفظ السلام نفسها.
من التمرد السياسي إلى الإرهاب العلني
لم يعد بالإمكان قراءة هذه العمليات المعزولة إلا باعتبارها تحركات صبيانية صادرة عن تنظيم فقد بوصلته السياسية، وتحول بشكل كامل إلى كيان مسلح غير شرعي. فبعد نصف قرن من الشعارات والخطابات المتقادمة، باتت العصابة تتصرف كتنظيم إرهابي يسعى لإثارة الفوضى بأي وسيلة، بعدما فشل في تحقيق أي مكسب سياسي أو ميداني.
الهجوم الأخير يعكس حالة الإفلاس التي بلغها المشروع الانفصالي، خاصة في ظل الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، والتي باتت تحظى بتأييد قوى كبرى كأميركا، وإسبانيا، وألمانيا. هذا التحول العميق في المواقف الدولية جعل “البوليساريو” في عزلة خانقة، وجعلها تفقد آخر أوراقها داخل أروقة الأمم المتحدة، التي باتت تراهن على مقاربة واقعية مبنية على التوافق والتنمية.
ارتباك داخلي وتخبط دبلوماسي
من جهة أخرى، تعيش مخيمات تندوف على صفيح ساخن بفعل التدهور الاجتماعي والتصدعات التنظيمية، وتنامي الرفض الشعبي لتوجهات القيادة الانفصالية، التي أصبحت مجرد أداة بيد النظام الجزائري. هذا الوضع المختنق جعل العصابة تلجأ للعنف في محاولة يائسة للعودة إلى الواجهة، ولو عبر إراقة الدماء وترويع المدنيين.
غير أن هذه التحركات العبثية لم تعد تقنع أحدًا، بل إنها تُقرب البوليساريو أكثر من تصنيفها كتنظيم إرهابي دولي، وهو ما بدأت أصوات داخل الكونغرس الأمريكي تنادي به صراحة، استنادًا إلى أنشطتها المسلحة وعلاقاتها المريبة بجماعات متطرفة في الساحل والصحراء.
رد مغربي صارم… بلا انفعال
في المقابل، يواصل المغرب التعامل مع هذه الاستفزازات بكثير من الحكمة والحزم في الآن ذاته. فالدولة المغربية لم تنجرّ يومًا إلى ردود انفعالية، لكنها في المقابل لا تتهاون عندما يتعلق الأمر بأمن وسلامة مواطنيها، وهو ما تجسد في الرد السريع للقوات المسلحة الملكية الذي حال دون وقوع كارثة إنسانية في السمارة.
بهذا الرد المحكم، تكون الدولة المغربية قد أكدت مرة أخرى أن أمن أقاليمها الجنوبية خط أحمر، وأن خيار التنمية والاستثمار في هذه المناطق لا يمكن أن يُعطل أو يُهدد من قبل ميليشيا متهالكة فقدت شرعيتها ومكانتها.
ختامًا… زمن “البوليساريو” انتهى
لقد سقط خطاب المظلومية، وتعرّى المشروع الانفصالي من آخر أقنعته، وبات واضحًا أن العصابة لم يعد أمامها سوى محاولة إثارة الغبار فوق ركام حلم مكسور. إنها فوضى عزلة سياسية، وفوضى قيادة مأزومة، وفوضى قرار مرتهن للخارج.
وإذا كانت المقذوفات العشوائية هي آخر أوراق البوليساريو، فإنها أيضًا دليل على نهايتها الوشيكة، لأن العالم لم يعد يرى فيها سوى تنظيم مسلح يهدد الاستقرار، ويعرقل جهود السلام.