Site icon جريدة صفرو بريس

صناعة الواقع (الوهم)!

قد يكون التفاؤل أفضل شيء يمتلكه الإنسان لأنه يحفزك على بذل الجهد ويحملك على المضي قدما رغم الصعوبات التي تواجهك، كما أنه يمنحك نظرة استشراقية للمستقبل تبقي على آمالك وتطلعاتك في أن تحيى حياة كريمة. ولكن الواقع مختلف تماما عن ذلك.

في الحقيقة قد يتحول التفاؤل إلى كارثة لدى البعض إذا زاد ذلك عن الحد، وذلك لأنه يتجاهل الواقع الذي يعيش فيه مَهما كان مزريا ومريرا، ثم يبني عالما وهميا مليئا بالأحلام السعيدة والجميلة ثم يقول لك يجب أن تكون متفائلا. في الحقيقة هذا نوع من اللامبالاة والتهرب من المسؤولية لأنك إذا أردت أن تغير من حالك فيجب أن تنطلق من واقعك وتحلله وتعرف مكامن الخلل فيه ثم تبدأ بالتغيير الفعلي بنظرة متفائلة لما هو قادم.

الغريب في الأمر أنك تجد هذا السلوك عند الإنسان المثقف، والشيء المؤسف أيضا أنه متفش في مجتمعنا العربي والإسلامي على وجه الخصوص، فإذا نظرت إلى الغرب بجميع أطيافه وجدتهم يعملون ويجدون وذلك ما انعكس بشكل إيجابي على واقعهم، فلم يكونوا على هذا التقدم إلى عهد قريب إلا أنهم استخدموا عقولهم وغيروا واقعهم المخزي الذي كانوا يعيشونه إلى الأفضل. ولست هنا لكي أزكيهم وأمدحهم ولكن لأضرب بهم المثل فهم ليسوا سوى بشر مثلنا ولكن الفرق بيننا أننا لا نستخدم عقولنا، فما أن تسأل أحدهم عن سبب ما نحن فيه حتى يبدأ بسرد الترهات والتكلُّفات الباردة، ويبدأ في صناعة حقيقة ليست إلا وهما لا أكثر ولا أقل، أو تجده يتحجج بالقدر فيقول لك هذا مُقدر علينا وهذه حكمة الله.. لا والله ليس هذا بالحق، وما الحال الذي نعيش فيه إلا نتاج لقصورنا وكسلنا وفشلنا، وقد سمعت مرة المفكر الإسلامي عبد الله النفيسي يقول بعد الأحداث التي وقعت يوم 11 سبتمبر: “آن الأوان للأمة الإسلامية أن تعيد صياغة أفكارها من جديد وفق مصالحها ووفق دينها حتى لو لم يرضى الأمريكان عن ذلك…” وهذا ما تحقق بالفعل بعد مرور 10 سنوات على الحدث مع احترامي للمفكر!!، “فالأمة الإسلامية اليوم في أفضل حال”، “وتعيش في وحدة وتعاون وتكافل لا نظير له” فهناك الكثير من الأمور التي تغيرت إلى الأسوأ، وطرأت العديد من التغيرات والتطورات التي زادت في تفرق الأمة وتفككها، وبلغت الصراعات والمشاحنات أشدها بين بعضنا البعض مع الأسف. وبعد ما يسمى “بالربيع العربي” أيضا، خرج الكثيرون يهللون ويصرحون أن الأمة الإسلامية ستعود إلى مكانتها… وذلك ما نراه بالفعل “بأعيننا المتفائلة” أما الواقع فلا يبشر خيرا بما يقع في فلسطين وسوريا ومصر و…

ولا شك أنكم تذكرون كلام وزيرة الخارجية الأمريكية رايز عندما كانت تتحدث عن مشروع شرق أوسط جديد الذي ما لبت “المتفائلون” بترديد شعارات رنانة تقول أن أمريكا ومن معها سوف تفشل في مسعاها، ولكنهم ضحكوا على مشاعر الناس وصرفوهم عن بذل الجهد والعطاء من أجل التصدي لهذا المخطط البذيء. والنتيجة كانت أننا نشهد شرق أوسط جديد لم يكن أكثر المتشائمين ليتوقعه بهذا الشكل الذي أصبح عليه الحال في المنطقة، نجح الغرب في مسعاه نجاحا مبهرا ونجحنا نحن في الضحك على الناس السدج بنظرتنا المتفائلة وكلامنا المتفائل وها نحن ندفع ثمن ذلك.

 

 ولا ندري متى ستستفيق الأمة من سباتها ووهمها الذي تعيش فيه “وتعيد صياغة أفكارها وفق مصالحها ودينها فعلا؟؟؟”؟ ولا أدري هل ستتغير الأمور إلى ما هو أحسن، أم أننا نعيش فترة انحدار أخرى وربما يتعين علينا انتظار 10 سنوات أخرى ووقوع حدث آخر لكي ندرك أننا نعيش في واقع مرير ومخزي بأجسامنا، وعقولنا ترنو إلى واقع مزدهر ومثالي لن يتحقق إذا لم نعرف كيف نصل بين الواقعين.. 

Exit mobile version