في اطار سلسلة ’’قالها المنجرة يوما’’ تفتح صفرو بريس مع قرائها الكرام اليوم صفحة من صفحات السجل الذهبي الذي ضمنه عالم المستقبليات والبروفيسور السيد المهدي المنجرة , نفائس الكلم وبديع الفكر , لنستخرج معا جملة قالها المهدي المنجرة يوما . ففي احدى محاضراته باحدى الجامعات قال : ’’ …فبناء الإنسان … يأتي قبل بناء كل شيء وهذا ما يحتاجه طلابنا اليوم ..’’ وأدرج في معرض حديثه نموذجا حيا عضد به كلامه , حيث استطرد قائلا : ’’عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان , بنوا سور الصين العظيم , واعتقدوا أنه لا يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه.. ولكن.. خلال المئة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية فى حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه ..
بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر البوابة..
لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس .. ’’ كلام نفيس جدا . أليس كذلك ؟ فالإنسان هو المستهدف في هذه الحياة، وهو المنوط به التكليف.
وهو الذي وجهت إليه عمارة الكون، وهو الذي بتفاعله تسير حركة الكون سيرها الإيجابي لتحقيق ما خلق من أجله , ليستخرج من خلالها كنوز الأرض ويستكشف ما أودعه الباري فيها من عجائب، فيسعى في عمارتها.
فجوهر الحياة، وسرّ حركتها هو الإنسان، فإذا صلح صلحت مرافق الحياة جميعها، وإذا فسد فسدت الحياة ومرافقها، ولذا؛ جاء الأمر بإصلاحه، ومعالجة فساده. واستشهد المنجرة بقول لأحد المستشرقين الذي يوضح فيه أن أساس البناء في الكون هو بناء الانسان , وبالمعنى المخالف فأساس هدم معالم حضارة أمة يبدأ بهدم الانسان , حيث قال : ’’ يقول أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة ..
فهناك وسائل ثلاث هي: اهدم الأسرة .. اهدم التعليم…اسقط القدوات والمرجعيات..
لكي تهدم اﻷسرة..
عليك بتغييب دور اﻷم.. اجعلها تخجل من وصفها بربة بيت..
ولكي تهدم التعليم..
عليك بالمعلم.. لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه..
ولكي تسقط القدوات..
عليك بالعلماء.. اطعن فيهم قلل من شأنهم..شكك فيهم حتى لايسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد..
فإذا اختفت اﻷم الواعية واختفى المعلم المخلص وسقطت القدوة والمرجعية فمن يربي النشءعلى القيم..؟!! “ انتهى كلام المستشرق وانتهى معه قول صاحبنا المنجرة .
من هنا، فنحن أحوج ما نكون لاستحضار هذه الحقيقة وتفعليها في الواقع العملي لتتسق حركة الإنسان مع حركة الكون.
ومن هنا كان ضرورة أن تكون الخطوة الأولى نحو البناء هو العناية بالإنسان ورعايته منذ مراحله الأولى وفق آليات تجعله إيجابيًا وقادرًا على البناء والتغيير نحو الأفضل في كل زمان ومكان.
وفي ظل إهمال هذا العنصر وتهميشه، لن يتقدم المجتمع في خططه التنموية والإنتاجية والحضارية، ولن يصنع مستقبلاً طموحًا.