Site icon جريدة صفرو بريس

شخصيات حقوقية تونسية تطرق أبواب العدالة الدولية لمواجهة القمع السياسي

في خطوة غير مسبوقة منذ انطلاق الثورة التونسية سنة 2011، قررت مجموعة من الشخصيات الحقوقية والقانونية التونسية طرق أبواب القضاء الدولي، عبر تقديم شكاوى رسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، احتجاجًا على ما اعتبروه حملة قمع ممنهجة تستهدف الأصوات المعارضة لنظام الرئيس قيس سعيّد. وتأتي هذه المبادرة القضائية الدولية، التي يقودها المحامي إبراهيم بلغيث، المعتمد لدى عدد من الهيئات القضائية الدولية، كاستجابة مباشرة لسلسلة المحاكمات الجماعية والأحكام القاسية التي طالت أكثر من 40 شخصية تونسية بين سياسيين ومحامين ونشطاء، حُكم عليهم بعقوبات تتراوح بين 13 و66 سنة سجنًا، بتهم ثقيلة أبرزها “التآمر على أمن الدولة”. وتشمل لائحة المبادِرين بهذه الدعوى شخصيات وازنة في المشهد الحقوقي، مثل كمال الجندوبي، رضا الدريّس، زينة أولاد سعد، وأحمد معالج، ممن يرون في هذا التصعيد القضائي المحلي مؤشرًا خطيرًا على نهاية المسار الديمقراطي الذي بشّرت به ثورة الياسمين.

تشير المعطيات إلى أن هذه الخطوة تأتي بعد استنفاد كل السبل القانونية والسياسية داخل تونس، في ظل ما يصفه مراقبون بـ”انغلاق سياسي وقضائي” مقلق، تميّز بارتفاع وتيرة الاعتقالات، ومنع السفر، والمضايقات القضائية التي تطال خصوم النظام، في أجواء سياسية تتسم بغياب الحوار واحتكار القرار من طرف رئيس الدولة. ويستند أصحاب الدعوى إلى ملفات توثق انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، بينها الاعتقال التعسفي، المحاكمة دون ضمانات، والتحريض الإعلامي، بما يشكل حسب تعبيرهم “جرائم قد ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية”.

يرى مراقبون أن لجوء هؤلاء إلى المحاكم الدولية يكتسي رمزية مزدوجة. فهو أولًا تعبير عن اليأس من إمكانية إصلاح المؤسسات داخل تونس في ظل الواقع الحالي، وثانيًا محاولة للضغط على المجتمع الدولي من أجل تفعيل آليات المحاسبة، حتى لا تتحول تونس إلى ساحة جديدة للإفلات من العقاب. وتأتي هذه التطورات في سياق إقليمي متوتر، حيث يزداد القلق من تراجع مساحات الحريات ، خاصة بعد ما شهدته دول مثل السودان ومصر من انتكاسات مشابهة.

من الناحية القانونية، فإن نظر المحكمة الجنائية الدولية في مثل هذه القضايا يقتضي إثبات الطابع الممنهج للانتهاكات، ووجود نية سياسية عليا خلفها، وهو ما يحاول مقدمو الشكاية تأكيده في ملفاتهم، مستندين إلى خطابات رسمية وإجراءات تنفيذية يصفونها بـ”الاستبدادية”. غير أن مراقبين يشيرون إلى أن التفاعل مع هذه القضايا قد يستغرق وقتًا طويلًا، وأنه حتى في حال فتح تحقيق، فإن إدانة أو إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين تونسيين سيظل رهين موازين القوى الدولية.

التحرك الحقوقي نحو القضاء الدولي يعكس حجم القلق في تونس من التراجع الديمقراطي، ويفتح الباب أمام مواجهة قضائية دولية قد تطول، لكنها قد تشكل أيضًا ورقة ضغط رمزية على نظام سعيّد، في وقت تزداد فيه عزلته الدولية وتتعاظم الانتقادات الموجهة له بشأن ملف حقوق الإنسان. وبين عدالة الداخل الغائبة وعدالة الخارج البطيئة، يبقى السؤال معلقًا: من ينقذ الحريات في مهد الربيع العربي؟

Exit mobile version