خلد المغرب كما دأب على ذلك منذ سنوات اليوم الوطني للأشخاص ذوي الإعاقة الذي صادف يوم الأحد 30 مارس 2014 . وهو يشكل فرصة لدى هذه الفئة التي تشكل نسبة 5.12 في المائة من الساكنة، أي ما يعادل مليون و530 ألف مواطنا، حسب البحث الوطني حول الإعاقة الذي قدمت نتائجه كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين بالمغرب سنة 2006، (فرصة) لإثارة المزيد من الاهتمام ونشر الوعي بالحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمدنية والسياسية لها، كما يشكل وقفة حقيقية لتقييم الإنجازات التي تحققت على المستوى الوطني لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، خاصة في مجال حماية حقوقهم المرتبطة بالتشغيل والصحة والتربية.
فعلى مدى سنوات مضت، صادق المغرب على عدد من المواثيق والاتفاقيات لفائدة الأشخاص المعاقين.
فما هي أهم المشاكل التي تتخبط فيها هذه الفئة من المجتمع، و إلى أي حد استطاعت الجهات المعنية تجسيد تلك الاتفاقيات على أرض الواقع؟
عكس ما يحدث في كل سنة، تصر الجمعيات الفاعلة في مجال الأشخاص ذوي الإعاقة على عدم اعتبار هذا اليوم مجرد يوم احتفالي، إنما وقفة للتأمل وتقييم السياسات المتبعة في مجال الإعاقة على المستوى الوطني. وفي هذا الإطار، يؤكد الشرقاوي كريم، عضو التحالف من أجل النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، أنه في إطار التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي الناتجة عن الحركية التي أفرزها الربيع العربي، صار لزاما على كل متتبع لواقع الأشخاص في وضعية إعاقة وكل مسؤول عن تدبير شأن الاعاقة بالمغرب أن لا يعتبر هذا اليوم العالمي مجرد يوم احتفالي بقدر ما يجب اعتباره وقفة لتقييم مدى التزام المغرب بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي سبق وأن صادق عليها وخاصة تلك التي تخص حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، موضحا أن مسألة الإعاقة بالمغرب تعيش منعطفا جديدا، خاصة مع تبني الدستور الجديد الذي نصت مقتضياته صراحة على حماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، والذي ركز في ديباجته على أن الدولة “..تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا..”، كما أنها تعمل على “حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء” وتعمل على “حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان”.
وأضاف المتحدث نفسه أن المغرب كان من أوائل البلدان التي وقعت على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري، التي اعتمدتها الأمم المتحدة بتاريخ 13 ديسمبر 2006، حيث تمت المصادقة عليها يوم 8 أبريل 2009، ونشرت في الجريدة الرسمية رقم 5978 المؤرخ 15 سبتمبر 2011، وشدد على أن هذه الاتفاقية شكلت تحولا كبيرا في التعاطي الدولي مع الأشخاص في وضعية إعاقة، كما يعتبر توقيع المغرب على الاتفاقية و على البروتوكول الاختياري، تقدماً في حد ذاته، إلا أن الاتفاقية وميثاق الأمم المتحدة بقي حبرا على ورق فلم يجد منذ ذلك الحين المسار الحقيقي لتطبيقه على أرض الواقع.
ويرى “الشرقاوي” أن صانعي القرار بالمغرب ملزمون بتطبيق بنود المواثيق والاتفاقيات التي يصادقون عليها كحق شرعي لهذه الفئة من المجتمع، وأن الدولة المغربية مدعوة -بكل مكوناتها- إلى تكثيف المزيد من الجهود من أجل أجرأة كافة مواد الاتفاقية الدولية للأشخاص في وضعية إعاقة على مستوى القوانين الوطنية الملزمة، وعلى مستوى التواصل العمومي لمزيد من التوعية والتحسيس لتغيير العقليات والتمثلات السلبية، وعلى المزيد من الاعتناء بالأشخاص في وضعية إعاقة خاصة بالبوادي والأحياء الشعبية، كما أنها مطالبة بالتعبئة القطاعية الشاملة للقضاء على الأسباب والعوامل المؤدية للإعاقة مثل (التخفيف من حوادث السير،محاربة التطبيب التقليدي والشعوذة)، والحد من الأخطاء الطبية بالإضافة إلى توفير الولوج إلى العلاج العمومي للجميع والتوعية الصحية، العناية الخاصة بظروف وشروط الولادة الصحية.
“قوانين” مع وقف التنفيذ!
يمكن حصر أهم النصوص القانونية المؤطرة لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة في: القانون رقم 05.81 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر. القانون رقم 07.92 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين. القانون رقم 03.10 المتعلق بالولوجيات.
وفي تعليق له، أكد “الشرقاوي” أن مجمل مضامين هذه القوانين المشار هي عبارة عن مبادئ عامة تفتقد إلى الدقة على مستوى الصياغة وتحديد الحقوق والجهات المعنية بالتطبيق، كما أن هذه القوانين لا تغطي كل حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة (المشاركة الاجتماعية، الوضعيات الصعبة والخطرة، الحق في الإعلام..).
من جهة أخرى، يرى المتحدث أن عدم استصدار كافة المراسيم التطبيقية والتنظيمية يجعل هذه القوانين غير مفعلة بالشكل المطلوب، كما أن هذه القوانين وضعت من منظور رعائي وليس من منظور حقوقي، إضافة إلى أنها غير متلائمة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وخاصة الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، مشيرا إلى أن مشروع القانون المعنون بـ “تعزيز حقوق الأشخاص ذوي ألإعاقة ” 62-09 الذي أعدته نزهة الصقلي، الوزيرة السابقة لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن وأعادت صياغته الوزيرة الحالية لذات الوزارة(بسيمة الحقاوي)، لازال في لائحة الانتظار، ضمن عدد من المشاريع الموجودة بثلاجة القوانين “الأمانة العامة للحكومة”.
جهود حكومية
بالرغم من الجهود التي قامت بها الوزارة الوصية في مجال حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة من تعليم وتمدرس الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال إحداث وخلق الأقسام المدمجة أو في المراكز المتخصصة، وإعمال وتنفيذ حصة 7 في المائة في مجال التكوين المهني والتشغيل سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص، وتشجيع الأنشطة الرياضية من خلال الفيدراليات الرياضية والجمعيات العاملة في هذا المجال، بالإضافة إلى الاتفاقية الرباعية الموقعة بين وزارة الصحة والتربية الوطنية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن من أجل إحداث 200 قسم مدمج كل سنة الأمر الذي تم تحقيقه سنة 2008 حيث تم خلق 217 قسم مدمج، إلا أن الجمعيات المهتمة بالأشخاص ذوي الإعاقة تنتقد استراتيجية وتصفها بالتقصير.
بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، قالت في ندوة سابقة : إن السياسة العمومية في مجال النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، التي يجري إعدادها حاليا، تروم إنتاج برامج قابلة للتطبيق في الميدان , تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الأشخاص في وضعية إعاقة وكذا تنوع الإعاقة بالنسبة لهذه الفئة، فيما أكد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إدريس اليزمي، على أن الحكومة مطالبة بوضع استراتيجية وطنية حقيقية تروم إدماج حقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في السياسات العمومية، وذلك بتشاور مع الجمعيات التي تعنى بهذه الشريحة من المواطنين.
وذكر اليزمي، في كلمة له خلال ندوة وطنية حول موضوع “أية استراتيجية لتنفيذ وتتبع إدماج حقوق الأشخاص من ذوي الإحتياجات الخاصة في السياسات العمومية”، نظمت من قبل التحالف من أجل النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، بشراكة مع المنظمة الدولية للمعاقين والاتحاد الأوربي، بأن المغرب وقع في سنة 2009 على الاتفاقية الدولية والبروتوكول الاختياري المنبثق عنها المتعلقان بالأشخاص في وضعية إعاقة، ومشددا في هذا الصدد على أنه يتوجب على الدولة خلق مؤسسة جديدة تناط بها مهمة تشجيع وتتبع تنفيذ المقتضيات المتعلقة بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة، أو تكليف المجلس الوطني لحقوق الإنسان بهذه المهمة.