Site icon جريدة صفرو بريس

رمضانيات صفروبريس..الدكتور المصطفى أعوين يكتب : "الصناعة السينمائية بالمغرب في ظل وباء كورونا"

مقدمة

         يشير مصطلح الصناعة السينمائية إلى أن السينما لا يمكن اعتبارها فكرا وفنا فحسب بل يجب أخذها من زاوية اقتصادية و تجارية صرفة. إذ أن الذي يقوم بالدور الفعال ليس هوالفنان المبتكروالمبدع، إنما المستثمر الذي يتوفر على رأسمال مهم ويعمل جاهدا من أجل إنجاحه والسير بمقاولته إلى برالأمان باعتماده على مفاهيم متعددة كالعرض والطلب، التوزيع والتسويق، الامتهان والحرفية.

         هذا إن دل على شيء فإنما  يدل على أن السينما تحولت إلى صناعة حقيقية و فعالة يجني من خلالها المنتجون والمستثمرون أموالا طائلة يمكن اعتمادها كمصدرمن مصادر الدخل الخاص بالدول وركيزة من الركائز الاقتصادية التي لا يمكن الاستهانة بها. وبالتالي فالصناعة السينمائية لم تعد فقط وسيلة من وسائل الترويح عن النفس بل أضحت تحمل مؤشرات اقتصادية واجتماعية بل وسياسية بالنظرإلى فرص الشغل التي توفرها والمساهمة في رص صفوف المجتمع من خلال رسائلها الهادفة التي تخدم إلى حد كبير الرؤية الإستراتيجية للدول و الحكومات.

1. الصناعة السينمائية والاقتصاد

         ينبغي التأكيد في هذا الصدد على أن الصناعة السينمائية ليست بالصناعة العادية و المألوفة بل تتعداها إلى اعتبارها موردا من موارد الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، الهند، تركيا، الخ. إذ آمنت هذه الدول بمدى نجاعة هذه الصناعة وعملت جاهدة من أجل رفع الاستثمارات التي أدت إلى تحقيق إيرادات خيالية. هذا وقد دخلت جل الدول في تنافس شرس هدفه الأساسي الفوز بأسواق عالمية وإقصاء الآخر دونما اعتبار للجوانب الإنسانية التي تحث على التعاون والتعايش.

       يمكن الحديث في هذا الصدد عن مدرستين كبيرتين هما هوليود وبوليود. فإذا كان مصطلح هوليود يشير إلى مركز صناعة الفيلم الأمريكي فإن نظيره بوليود يعتبر مصطلحا غير رسمي بالنظر إلى أنه لا يتوفرعلى مكان فعلي لمزاولة النشاط الإنتاجي وإنما استخدم للحد من السيطرة الكبيرة التي حظيت بها السينما الأمريكية.

       يمكن القول إجمالا بأن الاستعمال الصحيح لوسائل الإنتاج والتوظيف الفعال لها يساهم لا محالة في الرفع من الإنتاجية، خاصة إذا تم العمل على خفض مدة الإنتاج من طرف الإدارة المكلفة بالإنتاج. يكفي أن نسرد هنا على سبل المثال مداخيل السينما العالمية التي وصلت إلى 100 مليار دولار سنويا حققت منها السينما الهندية ما يناهز الربع. أما الإنتاجات فوصلت في نيجيريا لوحدها سنة 2006 ما يقرب 900 فيلما دون احتساب الدبلجة إلى لغات أخرى.

       أما فيما يخص الإنتاج العربي فيمكن التأكيد على أنه بعيد كل البعد عن هذه الأرقام الفلكية. إذ أن المؤشرات الاقتصادية والعائدات السنوية تشيرإلى كون الاستثمار في هذا المجال لا يتعدى نصف مليار في أحسن الأحوال. هذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم أخذ الأمور مأخذ الجد و الاكتفاء بالعمل الفردي وغيرالمهيكل بعيدا عن الاحترافية اللازمة والتي تتطلب تكوينات متعددة ومتشعبة من أجل تعزيز فرص الشغل ودعم الاقتصادات الوطنية الغارقة في أوحال التبعية والديون.       

2 . الصناعة السينمائية والثقافة

      علاقة وطيدة تلك التي تربط السينما بالثقافة، حيث أن السينما قامت بتقديم العديد من الحقائق السياسية والاجتماعية أكثر من غيرها. كما ساهمت في ترسيخ ثقافات الشعوب مساهمة بذلك في تشكيل ذوق المتلقي، فاستطاعت نشر ثقافة البلدان التي كانت سباقة لهذا المجال من خلال التعريف بتقاليدهم وعاداتهم ولغاتهم. كما عملت على التعريف بالعديد من المناطق من الناحية الجغرافية، التاريخية والأنثروبولوجية. أضف إلى ذلك أن هذه الصناعة لعبت دورا فعالا في التعريف بالأدب العالمي، فقدمته على شكل أفلام ومسلسلات غاية في الروعة وبفضلها استطاع المشاهد والمتتبع تذوق مدى غنى الثقافة الشعبية الشاهدة على عراقة الجنس البشري وتجدره في التاريخ؛ ثقافة طواها النسيان ولم يكن بمقدور الكتب و المجلات التسويق لها والتعريف بها.

      يتضح جليا بأن الصناعة السينمائية قدمت الشيء الكثير للثقافة حيث وضحت علاقات كانت مجهولة أو بالأحرى متناسية فصورت لنا كل ما يخص الإنسان ومشاكله المتعددة مع الطبيعة. كما تناولت الكوارث الطبيعية و البيئية و قدمتها بحرفية كبيرة تنم عن نضج قل نظيره. هذا دون نسيان معالجة القضايا السياسية والحروب ونضالات الشعوب التواقة إلى الحرية و الاستقلال.

      غير أن هذا لا يمنعنا من التذكير ببعض مساوئ الصناعة السينمائية كالحملات الترويجية التي تقوم بالدعاية لها. خيرمثال على ذلك الحروب الضارية التي تهجتها الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من مناطق العالم والتي بينت فوزها. إلا أن الحقائق أبرزت غير ذلك. مما يبين على أن الخدع السينمائية كبيرة ومتعددة وقراءة الإنتاجات ينبغي تناولها من وجهات مختلفة اعتمادا على مقاربات هدفها الأساسي كشف المستور وعدم الانزلاق وراء الإيحاءات التي تمليها الصورة و يتخذها المخرج كمطية لتقديس أو تدنيس عمل ما.   

3 . الصناعة السينمائية بالمغرب 

        عرفت الصناعة السينمائية بالمغرب تطورا كميا ونوعيا في السنوات الأخيرة. إذ تزايد إنتاج الأفلام والمسلسلات خاصة مع ارتفاع عدد المعاهد والمدارس التي تعنى بالتكوين السمعي-البصري بالعديد من المدن ودخول الجامعات على الخط. الشيء الذي أدى إلى الارتقاء بالعمل السينمائي وجعله يدخل في منافسة الدول الأخرى. هذا وقد أصبحت العديد من الإنتاجات تدخل حلبة الصراع من أجل حصد الألقاب. أضف إلى ذلك تنظيم المهرجانات والملتقيات التي تعالج قضايا الفن السابع بحيث أصبح المغرب قبلة المهتمين بل وجهتهم المفضلة. إلا أن ما يمكن تسجيله أيضا هو التراجع الكبير إن على مستوى الترويج أو التسويق بحيث نشاهد ضعف الإقبال على دور السينما. هذا دليل واضح على أن القاعات لم تعد تستجيب لمتطلبات الجمهور في ظل التقنيات الرقمية التي تعرفها السينما على مستوى العالم.

إن أهم سبيل يمكن سلكه لإعادة البريق للمجال بالمغرب السمعي-البصري هوالانفتاح أكثر على التكنولوجيات الحديثة المعمول بها في الصناعة السينمائية وكذلك العودة إلى التراث لننهل منه حيث الغنى و التنوع سمتان تطبعان هذا الموروث والعمل على إخراج إنتاجات تليق بعراقة الثقافة المغربية في تاريخ الإنسانية. كما أن المهرجانات ينبغي أن تأخذ طابع الإشعاع وتهتم أكثربالقضايا الفكرية والاجتماعية والثقافية بعيدا كل البعد عن الميوعة التي أصبحت مع كامل الأسف سيدة الموقف.

 

     كما أن المركز السينمائي المغربي، والذي يعتبر من أقدم المؤسسات المكلفة بتنظيم وترويج كل ما يتعلق بالحقل السينمائي، يجب أن يقوم بالدورالمنوط به من خلال مراقبة القطاعات التابعة له من إنتاج وتوزيع واستغلال مع دعم الصناعة السينمائية بالترويج لها وإعطاء أهمية خاصة لدور السينما من أجل جلب الجمهورالشغوف بهذا الفن وفتح آفاق جديدة أمام المهتمين داخل وخارج أرض الوطن رغبة في إنجاح التعاون الدولي الخاص بالفن السابع. هذا بالاضافة إلى ضرورة رد الاعتبار للفنان المغربي ولكل الطاقات العاملة بتشجيعهم وتيسير المساطر الكفيلة بإرجاع الثقة لهم وجعلهم يعملون في ظروف جيدة بعيدا عن العشوائية والارتجالية.

     نقطة أخرى لا ينبغي نسيانها تتلخص في الدور المنوط بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والذي يجب أن تؤديه خاصة فيما يتعلق بدعم الإنتاج الوطني وتنافسية مقاولاته خاصة المقاولات الصغرى والصغرى جدا والمتوسطة. هذا مع فسح المجال أمام الجميع من أجل إشراكها وممارسة مهامها وفق مبدأ تكافؤ الفرص.

 

   4 . الصناعة السينمائية المغربية في ظل وباء كورونا

       تعاني الصناعة السينمائية المغربية من نتائج تفشي وباء كورونا بحيث لا حديث يذكر عن دورالسينما وعن المهرجانات التي تقوم بالترويج والتوزيع لمختلف الأنشطة الفنية. إذ  أن إجراءات الحجر الصحي أرخت بظلالها على هذا الحقل وجعلته يدخل في سبات عميق أدى إلى انكماش حقيقي لا يمكن لأي كان أن يتنبأ بنتائجه. أضف إلى ذلك ضرورة التذكير بأن هذه الفترة من السنة تعرف إقبالا على الإنتاجات بعد مرحلة البث في طلبات العروض المقدمة للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.

        لكن هذا لا يمنع من القول بأن إنتاجات هذه السنة وفي هذا الظرف بالذات تتميز بالهزالة والشح كما وكيفا. إذ أصبحت الرداءة تعتلي المنصة في غياب تام أوشبه تام للاحترافية التي تعد سببا مباشرا لنهضة حقيقية ستغزو بها السينما المغربية أقطار المعمور. فما نشاهده اليوم يحز في النفس حيث الاستخفاف بعقل المشاهد وتعويده على النمطية التي ألفها. أخص هنا بالذكرالمشاهد الكوميدية التي لا تمت للكوميديا بأية صلة. أما الدراما فحدث ولاحرج. فتواضع السيناريو والحوارإلى جانب عدم تماسك الأحداث وغياب الحبكة السردية يؤدي إلى إنتاجات لا ترقى إلى مستوى التطلعات. هذا دون الحديث عن تاريخ الأحداث والوقائع بحيث أن هذه الأعمال شوهت تاريخ المغرب وثقافته التي يتم التسويق لها دون الرجوع لذوي الاختصاص من أكاديميين وأدباء ومهتمين.

        هنا تنبغي الإشارة إلى أن تناول الثقافة المغربية في مختلف الإنتاجات يستلزم الكثير من الجهد والوقت رغبة في تقديم أعمال تليق بهويتنا وبأصالتنا بعيدا عن كل ارتجال وسطحية. لا أريد هنا إعطاء الأمثلة، فهي كثيرة ومتعددة. إذ أن حديثي يتضمن إشارات واضحة تخص أعمالا دون غيرها، حيث الاستفادة من الدعم والتمويل هو الشغل الشاغل دون اعتبار للحس الفني والإبداعي الذي يظل ملازما لهذا النوع من الأعمال.

        أما العنصر الأخير الذي يستلزم إعادة النظر فيه هو جانب الإخراج. فالكاميرات الخفية التي نراها منذ سنين هي نفسها، بل وأبانت هذه السنة عن خلل واضح في التقنيات المعتمدة وفي الحرفية اللازمة تفتقد إلى أدنى شروط العمل الفني. هنا يجب التأكيد على أن المشاهد ضاق ذرعا من هذه الإنتاجات والتي أقل ما يقال عنها أنها تغرد خارج السرب، حيث أصبحت بلا طعم ولا فائدة وبالأحرى أن تكون كوميدية.  

خاتمة

        خلاصة القول، وجب التذكير بأن منافسة الدول في هذا المجال أصبحت ضرورة لا يمكن تجاهلها. وبالتالي فالأمر يستلزم أخذ الأمورمأخذ الجد والعمل على إصلاح حقيقي لهذا الحقل وذلك بدعم الإنتاجات التي تستحق الدعم، بعيدا كل البعد عن المحسوبية والزبونية. إضافة إلى ذلك، يجب توفير الوسائل اللوجيستيكية من أجل تقديم أعمال في المستوى مع ضرورة تكثيف التكوينات والمنتديات في هذا الباب. هذا وتظل مسألة استدعاء الخبراء والعارفين في حقول الثقافة والأدب والفنون من أولوية الأولويات، بحيث أن مصاحبتهم لكاتبي السيناريو والمخرجين من الأهمية بمكان إذا ما أردنا تمريررسالات تشفي الغليل وتوضح بجلاء غنى الموروث الثقافي المغربي.               

Exit mobile version