Site icon جريدة صفرو بريس

د.رضوان زهرو يعتبر في ندوة النهار النموذج التنموي الجديد إعلانا عن فشل تجربة حكومية

الدكتور رضوان زهرو

بداية، يمكن القول ، إن ما توصلت إليه اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، من نتائج وما اقترحته من توصيات، يمكن اعتباره ذكاء جماعيا معتبرا ومقدرا، يستحق كل الشكر والثناء؛ فهو عمل بناء؛ مؤطر و بشكل أساسي، على الأقل بخطابين ملكيين مرجعيين: خطاب العرش و خطاب ثورة الملك والشعب، لسنة 2019 ، حيث أراد جلالة الملك منذ البداية، أن تكون مهمة اللجنة ثلاتية؛ تقويمية، استباقية، واستشرافية؛ و كذلك ذات طابع استشاري – لا يمكنها بأي حال من الأخوال، أن تحل، محل الحكومة أو محل أي سلطة أو مؤسسة أخرى- لجنة تقدم الاقتراحات، وتعتمد على المكتسبات، في عدد من القطاعات، كالتعليم والصحة والفلاحة والاستثمار والنظام الضريبي…
فإلى أي حد قد وفقت اللجنة، في تقديم ملامح إصلاح تنموي شامل، كما أراده جلالة الملك، خاصة في شقه الاقتصادي ( وهو موضوعنا هنا)؟

ينطلق النموذج التنموي الجديد كما جاء في التقرير، من مؤهلات وإمكانات، استغلالها واستثمارها على الوجه المطلوب، سيمكن من دون شك، بلادنا، من تحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود، و بلوغها مصاف الدول الصاعدة. ولم لا التموفع ضمن كبار هذا العالم،
من هذه المؤهلات والإمكانات يشير التقرير إلى:

انطلاقا من هذه المؤهلات و الإمكانات، تقترح اللجنة الخيارات الاستراتيجية التالية:

إن الإمكانات والمؤهلات التي أشار إليها التقرير تعتبر من المزايا النسبية الهامة والأساسية لتحقيق أي نمو اقتصادي أو تنمية دامجة ومستدامة، لكنها في الوقت نفسه، هي غير كافية لوحدها؛ فلا بد من توافر مزايا تنافسية أخرى إلى جانبها، كما أن هذه المؤهلات والإمكانات ليست جديدة أو طارئة اليوم، وإنما كانت دائما موجودة، ومع ذلك لم نستطع تحقيق التنمية المنشودة؛ فما الذي سيجعلها تحقق التنمية اليوم وخلال المرحلة القادمة؟ اللهم إلا إذا تدخل عنصر اقتصادي جديد، من خارج الدورة الاقتصادية الحالية ( والتي تعتبر على طبيعتها الحالية، ضيقة ومحدودة جدا) كاكتشاف ثروة طبيعية جديدة، من غاز أو نفط أو ذهب، أو الوصول مثلا محليا، إلى تكنولوجيا عالية – وهو أمر صعب جدا في اعتقادي اعتبارا للمعطيات الوطنية الحالية- أو جلب مكثف نحو بلادنا، لاستثمارات أجنبية مباشرة و غير مباشرة.

إن تقوية القطاع الخاص والرفع من مساهمته كما جاء في التقرير، من خلال إزالة جميع العراقيل والصعوبات أمامه، وكذلك دعمه ومساندته وتحفيزه، لم يتوقف، و لا يزال مستمرا حتى اليوم ( على الأقل منذ بداية ثمانينيات القرن الماض) من دون أن يحقق الأهداف المتوخاة منه، لأن المشكل هيكلي ومعقد جدا ؛ ويتمثل بشكل أساسي، في البنية الهشة والتقليدية التي يوجد عليها قطاعنا الخاص و توجد عليها أغلب مقاولاتنا. هذه المقاولات التي لا زالت تفضل الانغلاق على الانفتاح، و تفضل التسيير التقليدي على اعتماد طرق تدبير حديثة ومتطورة.

وفي ما يتعلق بدور الدولة، والذي يدعو التقرير إلى إعادة الاعتبار له، من خلال دولة قوية ( يقصد هنا بالدولة القوية، الدولة المركزية التي تنطلق منها القرارات وإليها تعود) دولة حامية وناظمة، في وقت نحن اليوم قد نكون بحاجة أكثر ، إلى “دولة تنموية”، لا تكون لا حارسة ولا تدخلية.
إن الحسم في “دور الدولة” هذا، يمكن اعتباره، قضية تنموية مركزية، بل وأهم خيار استراتيجي على الإطلاق.

ومن القضايا الجوهرية الأخرى التي لم يتم الحسم فيها وإعطاء حلول بشأنها، بشكل مباشر ، واضح و صريح، وإن أسهبت اللجنة أحيانا، في تشخيصها والتذكير ببعضها، نذكر على سبيل المثال فقط:

لا شك أن هذا التقرير العام قد أخذ بعين الاعتبار الجائحة وتداعياتها المختلفة و توقع مستقبلا، احتمال كوارث وأزمات أخرى متكررة، مثل هذه الجائحة؛ فكان حريا به أن يركز على أولوية وضرورة تبني “استراتيجية الاعتماد على الذات” ، إلى جانب دعوته إلى مزيد من الانفتاح على الخارج والاندماج في الاقتصاد العالمي، والتوجه نحو التصدير؛ لأن الأمن الغدائي والأمن الدوائي قضيتين استراتيجيتين و مركزيتين، اليوم أكثر من أي وقت مضى. كما كان على اللجنة كذلك تقديم سقف توقعات معقول، منطقي و مقبول وأكثر عقلانية، فيما يتعلق ببعض الأرقام والمؤشرات التى سيسعى النموذج التنموي الجديد إلى تحقيقها، خلال الخمسة عشر سنة المقبلة.

يمكن للتقرير الذي بين أيدينا أن يشكل خارطة طريق حقيقية، ناضجة وشاملة، و عرضا متماسكا ومتكاملا (بمتابة أرضية صلبة) يطرح للتداول و النقاش العمومي، من أجل تجويده وتطويره ، قبل اعتماده بشكل نهائي، والشروع في تنزيله على أرض الواقع.

لقد تضمن التقرير عدد من العبارات القوية التي حاولت ترجمة جانب من الإحساس العام الذي تشعر به شرائح واسعة من المغاربة؛ أبرز هذه العبارات، عبارة غياب الثقة؛ غياب الثقة في المستقبل، و في المؤسسات، وفي الإدارة، وفي النخب السياسية والاقتصادية، وحتى في بعض القئات الميسورة التي لا تساهم بشكل كاف، في المجهود التنموي لبلادنا،
وفي الختام ، يمكن اعتبار التقرير الذي بين أيدينا، بمتابة إعلان صريح من اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، عن إغلاق قوس، امتد لما يناهز عشر سنوات، كما يمكن اعتباره كذلك اعترافا “شبه رسمي” بفشل تجربة في الحكم، وفي تدبير الشأن العام الوطني، خاصة عندما يتحدث التقرير ومنذ البداية، عن:

Exit mobile version