تشهد الإنسانية حالة طوارئ صحية غير مسبوقة في تاريخها المعاصر، بسبب أزمة كورونا، وما أحدثته من تحولات عميقة في بنية المجتمع وأنماط الحياة الاجتماعية وأنساقها بكل مستوياتها وأبعادها، وما أثارته من أسئلة الوجود والدين والمصير الإنساني، مع ما يحتمل أن يترتب عن هذه الأزمة من تحولات على مستوى العلاقات الدولية والنظام الاقتصادي، وتحديات على مستوى الاستراتيجيات الإقليمية والوطنية، وما يمكن أن ينشأ عن هذه الجائحة من انعكاسات على منظومة القيم والأخلاقيات، وكذا على مستوى النظم الصحية والتوجهات الاجتماعية والنماذج التنموية، فضلا عن تأثيرها المحتمل على المنظومات التشريعية والخيارات السياسة.
ولم تكن بلادنا بمنأى عن هذه الجائحة العابرة للحدود والقارات، والتي شكلت فيها التعبئة الوطنية الجماعية القوية صمام أمانها، ونموذجا مقدرا عالميا على مستوى القرارات الاستباقية والتدابير الاحترازية، التي اتخذتها الدولة من موقع مسؤولياتها الدستورية، باعتمادها وتنزيلها بهدف الحد من تفشي الوباء، والتخفيف من آثاره والسيطرة عليه والتحكم في تداعياته وانعكاساته في مرحلة مابعد كورونا.
ووعيا من كلية الشريعة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بدقة هذه اللحظة التاريخية، انخرطت الكلية في الخيارات الوطنية، لمواكبة متطلبات المرحلة الدقيقة، ومواجهة تحديات الظرفية الحالية، وعلى رأسها تحدي الحجر الصحي والعزل الاجتماعي الذي فرضته الجائحة، وذلك في تفاعل مع المقررات والإجراءات الصادرة عن جامعة سيدي محمد بن عبد الله، ويتجلى ذلك في:
– حفز التفكير العلمي واستثمار الذكاء الرقمي لخلق مبادرات نوعية وإبداع أساليب مبتكرة استثنائية لتوسيع مجال الوصول إلى التعليم العالي.
– تأمين استمرارية تقديم الخدمات الجامعية العمومية في مجال التربية والتكوين والبحث العلمي.
– تعزيز وتقوية حضور الكلية في المجال العام وإنتاج معرفة مرتبطة بالواقع.
– الإسهام بالدراسات والأبحاث في رصد وتحليل الأزمة الوبائية بمنظور تعددي أكاديمي عابر للتخصصات.
– تقديم الخبرات والاستشارات العلمية مع طرح البدائل لتجاوز الأزمة الكورونية.
في هذه السياقات الاستثنائية وضمن هذه الرؤية، يأتي هذا العدد من المجلة الالكترونية لكلية الشريعة بفاس، الذي قرر مجلس المؤسسة تخصيصه لوباء كورونا المستجد “كوفيد 19” الأسئلة والتحديات، وذلك لمواكبة التحولات الراهنة، ودراسة آثار هذه الأزمة وبحث تداعياتها واستشراف مآلاتها، وفق مقاربات أكاديمية متعددة التخصصات ومتكاملة المناهج، دون إغفال الأبعاد التاريخية والحضارية المقارنة، بغرض الفهم العلمي والتفكيك الأكاديمي للظاهرة وإنتاج معرفة رصينة، تتجاوز التأويلات المتسرعة والأحكام الجاهزة، والإسهام في خلق نقاش علمي في أوساط الجماعات العلمية والدوائر الأكاديمية وطنيا ودوليا، حول هذه الظاهرة الوبائية المستجدة وانعكاساتها المتعددة.
وتقترح المجلة لمقاربة الموضوع المحاور الآتية:
المحور الأول: الشريعة والقيم الاجتماعية
● المقاربة الشرعية والتجربة الإسلامية في مواجهة الأوبئة.
● الفتاوى الفقهية ونوازل الأوبئة.
● القيم الدينية والاجتماعية في زمن الأوبئة.
● النظر الفقهي ومعضلة التضحية بالفئات المسنة.
● الأبعاد الأخلاقية في السياسات الصحية.
● المنظومة الأسرية في ظل الحجر الصحي وتحديات ما بعد كورونا.
● أخلاقيات الأوبئة وتحديات كورونا.
● منظومة الوقف وفقه التبرعات في زمن الجوائح.
● دور نظام الزكاة في مواجهة الأزمات الوبائية.
المحور الثاني: التعليم العالي والبحث العلمي
● تحديات التعليم العالي في زمن كورونا.
● التعليم الرقمي وآفاق تطور الدرس الجامعي.
● تأثير كورونا على سياسة البحث العلمي واستراتيجة الابتكار.
المحور الثالث: الدولة الوطنية والحقوق والحريات وأسئلة ما بعد كورونا
● استراتيجيات الدولة في مواجهة كورونا (السياسات والتشريعات، القرارات والتدابير والإجراءات).
● الاستمرارية الإدارية والمرافق العمومية في زمن كورونا.
● المجتمع المدني والأحزاب السياسية في مواجهة كورونا.
● منظومة الحقوق والحريات في حالة الطوارئ زمن كورونا.
● الالتزامات والعقود في زمن الحجر الصحي.
● عولمة الأوبئة وتحديات الدولة الحديثة.
المحور الرابع: النظام الاقتصادي والعلاقات الدولية
● الثقافة الاستهلاكية وتدبير