Site icon جريدة صفرو بريس

حزب البام: الخطر الأكبر ليس الخطاب، بل الفساد والشبهات

في مسار الأحزاب السياسية، لا تقاس الأزمات فقط بحجمها، بل بتأثيرها التراكمي على البنية الداخلية والثقة الجماهيرية. وفي حالة الحزب الذي نتناوله اليوم، يظهر بوضوح أن .الخطر الأكبر لا يكمن في ضعف الخطاب السياسي، بل في انتشار الفساد، وتمدد الشبهات حول نخبة القيادة.

قد ينظر إلى ضعف الخطاب كعَيب فكري أو أسلوبي، لكنه قابل للتصحيح عبر تطوير الرؤية، واستقطاب كفاءات جديدة، وتحديث الخطاب بما يتناسب مع متغيرات العصر. أما الفساد والشبهات، فهي لا تضعف الحزب فقط، بل تدمره من الداخل، وتفقد الجماهير كل أمل في إمكانية الإصلاح.

الملفت في المشهد الحالي هو تكرر ظهور أسماء بارزة داخل الحزب في قضايا تتعلق بصفقات مريبة، أو تضارب مصالح، أو تدخلات غير شرعية في ترشيحات انتخابية. بعض هذه الأسماء لم تدان قضائيا بعد، لكن الشبهات المحيطة بها كافية لإثقال كاهل الحزب. ففي السياسة، الشك أحيانا أشد وطأة من الجريمة.

ومن بين هذه الأسماء، التي دار حولها الجدل بشكل متكرر ” المنصوري” و”وهبي”، لا كرموز فكرية أو قيادات تنظيمية، بل كشخصيات تدور حولها تساؤلات جدية حول مدى التزامها بالشفافية. فهل من المعقول أن يسمح لمن دارت حوله شكوك في الترشح باسم الحزب؟ وهل يعقل أن تمنح الأولوية في الترشيحات لمن تربطه علاقات مصلحية مع جهات مشبوهة، بينما يستبعد الكفاءات النظيفة؟

هذا التناقض لا ينتج فقط حالة من السخط الداخلي، بل يرسخ صورة الحزب ككيان تديره المحسوبية، وليس المبدأ. وهنا تكمن المأساة: فعندما يصبح الحزب مجرد وسيلة للاستفادة الشخصية، يفقد أي مشروعية سياسية أو أخلاقية.

وإذا نظرنا إلى حقيقة أن أكثر من 30 عضوا لم يتمكنوا من الترشح، رغم توفر الشروط القانونية والشعبية، فإن السؤال الذي يفرض نفسه: ما العوامل الحقيقية التي تحكم اختيار المرشحين؟ وهل تمنح الفرصة بناء على النزاهة والكفاءة، أم بناء على ولاءات داخلية أو صفقات خلف الكواليس؟

الفساد، في هذه الحالة، لا يعتبر مجرد تجاوز فردي، بل يصبح ثقافة تنظيمية، تعيد تشكيل أولويات الحزب، وتحوله من أداة للتغيير إلى أداة للحفاظ على مصالح ضيقة. وحينها، لا يعود الخطاب السياسي المضعف هو المشكلة، بل يصبح ترفا ناتجا عن بيئة فاسدة لا تنتج إلا خطابا فارغا.

الخطاب الضعيف قد يبعد الناخب، لكن الفساد يقتل الثقة من جدورها. فالناخب لا يعاقب الحزب لأنه لا يقدم رؤية جذابة فحسب، بل لأنه يشعر أن هؤلاء القادة لا يختلفون عن الآخرين، وأنهم، في النهاية، يبحثون عن المكاسب قبل أن يبحثوا عن المبادئ.

لذلك، فإن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بورشة فكرية أو دورة تدريبية في الخطابة، بل بمحاسبة صارمة، وشفافية كاملة، وقطع نهائي مع كل من يشتبه في تورطه في قضايا فساد، حتى لو كان من النخبة. فالحزب لا يبنى على الوجوه، بل على القيم.

الخطر الأكبر ليس في أن الحزب لا يجيد الحديث، بل في أن من يتحدثون باسمه قد لا يستحقون ذلك

Exit mobile version