
في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، قررت الحكومة التونسية استثناء السوق المغربية من صادراتها من التمور هذا الموسم، في إجراء يراه العديد من المتابعين امتدادا لحالة التوتر غير المعلن بين تونس والمغرب، وانسجاما مع محور سياسي إقليمي يجمعها بالجزائر منذ سنوات.
القرار التونسي، وإن تم تقديمه بغطاء اقتصادي، لا يمكن قراءته بعيدا عن التحولات السياسية في المنطقة المغاربية. فاختيار السوق المغربية بالذات للاستبعاد من الصادرات لا يندرج في إطار “تنويع الأسواق” كما تدعي السلطات التونسية، بل يعكس توجها عدائيا واضحا تجاه المغرب، الذي ظل لعقود يستقبل المنتجات التونسية دون قيود أو عراقيل، بل كان من أكثر الأسواق المغاربية انفتاحا وتعاونا.
لكن الخطوة في حد ذاتها لا تضر بالمغرب بقدر ما تضر بالمنتج التونسي. فالمملكة ليست رهينة لأي سوق أو منتج، وقد تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تحقيق طفرة في إنتاج التمور المحلية، خصوصا في أقاليم درعة وتافيلالت والرشيدية وزاكورة، حيث أصبحت التمور المغربية تغزو الأسواق الوطنية وتنافس بقوة الأصناف المستوردة.
بل إن المغرب اليوم بدأ يتحول إلى مصدر للتمور، بعد استثمارات ضخمة في مجال غرس النخيل وتحسين الجودة والتسويق، مما يجعل أي محاولة لمحاصرته تجاريا محاولة عبثية محكوم عليها بالفشل.
التحليل السياسي للقرار التونسي يضعه ضمن سياق أوسع من التحالفات الإقليمية التي تجمع تونس بالجزائر، خاصة بعد أن اتخذت تونس في السنوات الأخيرة مواقف متقاربة مع الطرح الجزائري المعادي لوحدة المغرب الترابية. فبدل أن تلعب تونس دور الجسر بين العواصم المغاربية، اختارت الاصطفاف في محور لا يرى في المغرب سوى خصم يجب التضييق عليه سياسيا واقتصاديا.
لكن المغرب، الذي واجه أزمات أكبر من مجرد قرار تجاري، لا يُحاصر. فهو يمتلك اقتصادا متنوعا، وسياسات فلاحية متقدمة، وشبكات تجارية تمتد إلى إفريقيا وأوروبا وآسيا. وإذا كانت تونس تراهن على هذا النوع من “الرسائل الرمزية”، فإنها تخسر شريكا طبيعيا، وتدفع ثمن انحيازها لمحور لا يقدم لها سوى مزيد من العزلة.
في النهاية، يبقى واضحا أن المغرب لا يتأثر بقرارات انتقامية أو انفعالية، بل يرد عليها بالاستثمار والإنتاج والتوسع. فالمملكة التي زرعت ملايين أشجار النخيل في الصحراء، قادرة على أن تنتج من رمالها ما يغنيها عن تمور تُستعمل كسلاح سياسي في معركة لا جدوى منها.




