المغرب

توقيف خطيب بالرباط.. حين يحاصر صوت الواعظ بين جدران المسجد

قرار وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية بتوقيف خطيب مسجد الحاج الريفي بالرباط بعد خطبته التي تناولت موضوع “الاسراف والتبذير” يعيد الى الواجهة نقاشا قديما متجددا حول حدود حرية الخطاب الديني ودور المنبر في معالجة قضايا الشأن العام.

الخطيب حسب تصريحه لم يخرج عن روح الخطبة الدينية بل تناول سلوكا ذمه القرآن والسنة وهو تبذير المال العام والاسراف في النفقات مستشهدا بامثلة متداولة في وسائل الاعلام دون ان يوجه اتهامات او يذكر اسماء. ومع ذلك صدر قرار التوقيف في حقه وكأن الحديث عن الاخلاق العامة اصبح “خطا احمر” حتى من فوق المنبر.

لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: اليس من صميم الدين الدعوة الى العدل والنهي عن الظلم والتحذير من خيانة الامانة واهدار المال العام؟ اليس هذه القيم من جوهر الرسالة الاسلامية التي جعلت من الامام والواعظ صوتا للحق وموجها للمجتمع؟

ان محاولة عزل الدين عن قضايا المجتمع تقود الى تفريغ الخطاب الديني من محتواه الاصلاحي والانساي وتحويله الى خطاب طقوسي جامد لا يلامس واقع الناس ولا يوجه سلوكهم. فالمسجد كان على الدوام فضاء للتربية على المسؤولية والمواطنة الصادقة ومكانا يذكر فيه الحكام والمحكومون على السواء بواجباتهم امام الله والناس.

ليس من الصواب ان يتحول المنبر الى مساحة للمدح او الصمت بل يجب ان يبقى منبرا للتوجيه الاخلاقي ينتقد السلوكيات المنحرفة ايا كان مصدرها لان الدين لم يشرع ليكون اداة تزكية بل وسيلة اصلاح ومحاسبة للنفس والمجتمع.

ان توقيف خطيب بسبب حديثه عن التبذير والاسراف لا يخدم لا الدين ولا الدولة بل يخلق احساسا بان هناك فصلا قسريا بين الوعظ والحياة العامة في حين ان الاسلام دين شامل لا يعرف هذه القطيعة.

ان اعطاء الخطباء هامشا من الحرية المسؤولة في تناول القضايا الاخلاقية والاجتماعية بما يتوافق مع ثوابت الامة واحترام المؤسسات ليس تهديدا للنظام بل صمام امان للمجتمع لانه يجعل المنبر صوت ضمير حي لا صدى صامتا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى