في زمن تتزايد فيه التحديات الأمنية والإنسانية على مستوى المنطقة، أصبح تجهيز الأطقم الطبية العسكرية بالمهارات اللازمة للتعامل مع الإصابات الميدانية تحت ظروف قتال واقعية ضرورة استراتيجية لا غنى عنها. ومن هذا المنظور، تأتي الدورة التدريبية التي نظمتها المدرسة الملكية للأطر شبه الطبية لالة مريم، بين 13 أكتوبر و5 نونبر 2025، كخطوة عملية لتعزيز جاهزية القوات المسلحة الملكية، وتأكيد التزامها بالمعايير الدولية للرعاية الطبية الميدانية.
الدورة، التي أشرف عليها فريق تدريب متنقل تابع للجيش البلجيكي، جمعت أكثر من عشرين إطارا من مختلف وحدات القوات المسلحة الملكية، وقدمت لهم مزيجا من التكوين النظري والتطبيق العملي المكثف. لم يقتصر البرنامج على تعليم الإسعاف الميداني تحت النار أو أساليب الإخلاء الطبي للحالات الحرجة، بل تجاوز ذلك ليشمل بناء القدرة على اتخاذ القرارات السريعة ضمن فرق متعددة التخصصات، وتعزيز التنسيق بين عناصر الرعاية الطبية في ظل ظروف قتال معقدة.
ما يميز هذه الدورة هو محاكاتها الواقعية للسيناريوهات الميدانية، عبر فضاءات مجهزة بتقنيات محاكاة متقدمة. هذه التجربة العملية مكنت المشاركين من اختبار مهاراتهم في مواجهة حالات صعبة، كالجرحى ذوي الإصابات الحرجة تحت ضغط الوقت والنيران، وهو ما يعكس جدية التدريب المغربي البلجيكي وعمق التعاون العسكري بين البلدين.
من الناحية التحليلية، يمكن اعتبار هذه الدورة أكثر من مجرد تدريب فني. فهي استراتيجية لتعزيز صمود القوات المسلحة المغربية أمام أي طارئ، وتحسين مستوى التكامل بين المكون البشري والمعدات الطبية المتوفرة، كما تسلط الضوء على الانفتاح المغربي على تبادل الخبرات مع الشركاء الدوليين، وهو ما يسهم في رفع كفاءة المنظومة العسكرية بشكل عام، وتحسين جودة الرعاية الطبية المقدمة في الميدان.
ويعكس تنظيم مثل هذه البرامج اهتمام القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية بتطوير منظومة الدعم الطبي الميداني، ليس فقط على المستوى التقني، بل أيضا على مستوى الجانب الإنساني والأخلاقي، حيث يتم تدريب الأطر على التعامل مع الجرحى ضمن قيم المسؤولية والمهنية في أقسى الظروف.
باختصار، الدورة التدريبية في المدرسة الملكية للأطر شبه الطبية لالة مريم تمثل نموذجاً ناجحاً للتعاون العسكري الدولي، واستثمارا ذكياً في رأس المال البشري، وهي رسالة واضحة أن تطوير القدرات الميدانية الطبية جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الوطنية للأمن والدفاع، بما يعزز جاهزية المغرب لمواجهة كل التحديات الطارئة.
