تصريحات دونالد ترامب الأخيرة حول “إخلاء العاصمة من المشرّدين والمجرمين” ليست سوى نسخة محدثة من العقلية الدموية التي تأسست عليها الولايات المتحدة منذ يومها الأول. فالدولة التي ولدت على جثث الشعوب الأصلية، واغتصبت أرضهم، وأبادت ثقافتهم، لم تكن يوما حامية للعدالة أو الحرية، بل مشروع استعماري قائم على الدم والدمار.
ترامب، الذي يدعي أنه يريد “استعادة العاصمة”، يكرر خطاب المستوطنين الأوائل الذين رفعوا شعار “استعادة الأرض” من أصحابها الحقيقيين. نفس الذهنية التي ارتكبت مجازر بشعة مثل مجزرة وونديد ني (Wounded Knee) عام 1890، حيث قتل أكثر من 250 من رجال ونساء وأطفال شعب اللاكوتا سيو، أو مجزرة ساند كريك (Sand Creek) عام 1864 التي ذبح فيها أكثر من 150 من شعب الشايين والأراباهو بدم بارد.
واليوم، رغم مرور قرون، ما زال أحفاد هؤلاء الضحايا يواجهون القمع نفسه في أشكال جديدة: أغلب من يزج بهم في السجون الأمريكية هم من السكان الأصليين والسود والأقليات، بينما يتم إقصاء الفقراء إلى أطراف المدن أو حشرهم في معسكرات معزولة، في سياسة فصل عنصري صريحة.
أما في السياسة الخارجية، فقد أظهر ترامب وجهه الإجرامي بوضوح حين قدم القدس على طبق من ذهب للاحتلال الإسرائيلي، وبارك قصف غزة وتجويع شعبها وتشريد أطفالها. أي شرعية يمتلكها ليتحدث عن “إنهاء الجريمة” وهو شريك مباشر في جريمة العصر ضد الفلسطينيين؟
ترامب ليس مصلحا كما يحاول أن يصدر نفسه، بل هو امتداد لسياسة القتل الممنهج التي تربط بين إبادة الهنود الحمر بالأمس، ودعم جرائم الاحتلال في فلسطين اليوم، وفصل الفقراء والمشردين عن المجتمع في الداخل الأمريكي.
والحقيقة أن من يتحدث عن “تطهير” العاصمة، بينما يده ملطخة بدماء أطفال غزة ودماء الهنود الحمر، لا يحق له أن ينطق بكلمة عدالة. ترامب لا يستعيد العاصمة كما يزعم، بل يستعيد أبشع صفحات التاريخ الأمريكي، ليعيد كتابتها بحروف من دم، ويوقعها بصفته سفاح القرن بلا منازع.

